مجتمع

الدروس الخصوصية بالمغرب.. كيف تحولت من دعم التلاميذ إلى سباق أرباح يكرس الفوارق؟

لم تعد الدروس الخصوصية بالمغرب مجرد وسيلة استثنائية لمساعدة التلاميذ المتعثرين، بل تحولت إلى ظاهرة متجذرة في المشهد التعليمي، تواكب المسار الدراسي لشرائح واسعة من التلاميذ، وتستنزف ميزانيات الأسر، خاصة في ظل تراجع ثقة كثيرين في المدرسة العمومية وقدرتها على ضمان التحصيل الجيد.

ورغم أن هذه الدروس نشأت في الأصل لسد فجوات الفهم ومواكبة المتعلمين خارج الفصول، إلا أنها سرعان ما اتخذت مسارا تجاريا بحتا، يدار أحيانا بعقلية السوق أكثر من العقلية التربوية، وبعيداً عن أي تنظيم أو تأطير رسمي.

هذا التحول، الذي يشارك فيه أساتذة نظاميون وأشخاص خارج الإطار التربوي، فتح الباب أمام ممارسات عشوائية، وخلق تفاوتات اجتماعية واضحة، حيث يصبح حق التعلم مرتبطا بقدرة الأسرة على الدفع، بدل أن يكون خدمة عمومية متكافئة للجميع.

وفي هذا السياق، عبر نور الدين عكوري، رئيس فيدرالية آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب، عن قلقه الشديد من تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية في الوسط المدرسي المغربي، مؤكداً أنها لم تعد مجرد ظاهرة منتشرة بل أصبحت ظاهرة مستفحلة تؤثر سلباً على التلميذ وعلى الأسر، سواء من حيث الفعالية التربوية أو من الناحية المادية.

وأوضح عكوري ضمن جريدة العمق المغربي، أن الدروس الخصوصية باتت اليوم تشكل عبئاً ثقيلاً على جيوب الأسر، في وقتٍ لا تعود فيه بأي نفع حقيقي على التلاميذ، إذ أن أغلبهم لا يحققون أي نتائج ملموسة من خلالها.

وأشار إلى أن من يقدم هذه الدروس لم يعد يقتصر فقط على الأساتذة العاملين في القطاع العمومي، بل أصبح الأمر متاحاً أمام أي شخص يدّعي أنه يفهم في مادة معينة، فيقوم بجمع التلاميذ في أماكن مختلفة لتقديم حصص يُقال إنها دعم، لكنها في الواقع تفتقد لأي تأطير أو تنظيم رسمي.

وشرح عكوري أن هذه الحصص تُقدّم بشكل عشوائي دون أن يكون للمدرّس أي معرفة حقيقية بالمستويات التعليمية للتلاميذ الذين يجلسون أمامه، ودون دراسة مسبقة لطبيعة الفئة المستهدفة.

كما أن التلاميذ في هذه الحصص لا يكونون متجانسين، بل يختلط فيها التلميذ الضعيف، والمتوسط، والجيد، مما يُنتج تبايناً كبيراً في الفهم والاستيعاب، ويجعل من المستحيل تحقيق دعم تربوي فعال.

ويرى عكوري أن الهدف الأساسي من وراء هذه الدروس الخصوصية لم يعد دعم التلميذ أو مساعدته على الفهم، بل أصبح هو تحقيق الربح المادي فقط، حيث أن بعض “المدرسين” يتعاملون معها كمصدر دخل لا أكثر، غير مبالين بجودة المحتوى الذي يُقدَّم ولا بطريقة تلقينه.

وأضاف عكوري أن كثيراً من التلاميذ الذين يتابعون هذه الدروس يعيشون ارتباكاً معرفياً كبيراً، خاصة عندما يدرّسهم في القسم أستاذ ذو تكوين بيداغوجي، ثم يجدون أنفسهم في حصة خصوصية يشرح لهم فيها طالب جامعي حاصل على الإجازة نفس الدرس لكن بطريقة مختلفة، مما يجعل التلميذ عاجزاً عن التفريق بين الصواب والخطأ، ويؤثر سلباً على تحصيله الدراسي.

في المقابل، يرى رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي و الاجتماعي، علي الغنبوري، أن ظاهرة الدروس الخصوصية لم تعد مجرد دعم إضافي للتلاميذ، بل أصبحت جزءا شبه مدمج في المسار التعليمي، حيث أصبحت كثير من الأسر تعتبرها ضرورة لا اختيارا.

واعتبر الغنبوري في تصريح لجريدة “العمق” بأن هذا الأمر يجعل منها عبئا ماليا ثقيلا خاصة على الطبقات المتوسطة والفقيرة التي تجد نفسها مجبرة على تخصيص مبالغ كبيرة شهريا لتأمين هذه الحصص.

ولفت إلى أن ذلك يأتي في ظل قناعة راسخة بأن المدرسة وحدها لم تعد كافية لضمان التحصيل الجيد، وهو ما يضع الأسر أمام ضغوط اقتصادية حادة، تعمق الفوارق الاجتماعية بين من يستطيع دفع ثمن هذه الخدمات ومن لا يستطيع.

وأشار الغنبوري إلى أن الدروس الخصوصية تحولت إلى نشاط تجاري مربح، يدار أحينا بعقلية السوق أكثر من العقلية التربوية، ولم يعد الأمر مقتصرا على مساعدة التلاميذ المتعثرين، بل صار سباق لاستقطاب أكبر عدد ممكن من المستفيدين، مع رفع الأسعار وتكثيف الحصص لتحقيق أكبر قدر من الأرباح.

واعتبر المتحدث أن هذا المنطق التجاري يهدد بفقدان المعنى الحقيقي للتعليم، إذ تصبح العملية التعليمية خاضعة لمن يدفع أكثر، بدل أن تكون حقا متاحا للجميع بالجودة نفسها.

وشدّد على أن الانتقاد الجوهري يوجه هنا إلى النظام التعليمي نفسه، الذي سمح بتفشي هذه الممارسات وتطبيعها فضعف المناهج، واكتظاظ الفصول وغياب التحفيز للتلاميذ داخل المؤسسات التعليمية، جعل الدروس الخصوصية ملاذ شبه إجباري.

واعتبر أنه عوض أن تتدخل الحكومة لإصلاح المدرسة العمومية وضمان جودة التعلم داخل أسوارها ترك المجال مفتوحا أمام سوق موازية للتعليم، لا تخضع غالبا للرقابة ولا لضوابط بيداغوجية حقيقية.