منتدى العمق

دوامة الاختيار العبثي

                             في وطني العزيز، عندما تقترب الانتخابات، تتحول كل زوايا الوطن  إلى مهرجانات سياسية ضخمة، لافتات تملأ الشوارع، ابتسامات عريضة، ووعود تُحلق في السماء كأننا دخلنا مدينة فاضلة لا تشوبها شائبة. تتدفق الحناجر بالمقترحات الزاهية، وتتراقص الكلمات على ألسنة المرشحين وكأنهم سحرة قادرون على تحويل المعجزات إلى واقع. لكن سرعان ما تكتشف أن الاختيار أمامك يشبه دخول سوق خضار في آخر الليل: كل شيء ذابل، والمطلوب منك أن تختار الأقل عفناً!
الانتخابات عندنا ليست معركة بين مشاريع واضحة أو رؤى صادقة للمستقبل، بل هي منافسة بين نسخ مكررة من نفس الوجوه، تكرر الخطابات القديمة، وتتنقل نفس البذلات بين منبر وآخر. يتغير الشعار، ولكن الجوهر يبقى كما هو، وكأن الأمر مُعد مسبقاً ليختار المواطن ما بين نفس الوجوه، لكن بعباءة جديدة مكتوبة بخط رديء في إحدى صفحات الانترنت!
المواطن المسكين، الذي يعتقد أنه يملك حق الاختيار، في الحقيقة لا يملك سوى أن يختار “الأقل سوءاً”، كأنه محكوم عليه بنزلة برد شديدة أو زكام. لا توجد فرص لخيارات حقيقية، بل مجرد تنافس على الكراسي والألقاب، دون أي أفق حقيقي للتغيير أو التطوير.
 بعد التصويت، يأتي المضحك المبكي: يدرك الناس أن الفرق بين المرشحين يشبه الفرق بين شاي بلا سكر وشاي بلا نعناع — الطعم مرّ في كل الأحوال. يعود روتين الحياة كما كان، ويبقى المواطن هو الضحية، محاصر في لعبة سياسية نتائجها محسومة مسبقاً.
ثم لا تنسَ بعد خمس سنوات، نفس المرشح سيعود ليُذكّرك بأنه “ابن الحي”، و”خدم الوطن”، رغم أنه لم يخدم حتى “بلاصته في البرلمان”. يعود بنفس الابتسامة الكاذبة والوعود المعادة، وكأن الزمن لم يمضِ وكأن شيئاً لم يتغير.
باختصار، الانتخابات في وطني العزيز أصبحت مثل برامج الطبخ التي تبثها القنوات: نفس المكونات، نفس الوصفة، والطباخ فقط يغيّر القبعة، بينما المواطن، هو من يدفع الثمن ويأكل الطبق ذاته دائماً.
……………………….