تُعدُّ مسألة السلامة الطرقية في المغرب ظاهرة اجتماعية مركبة، تتقاطع فيها عوامل ثقافية واقتصادية وعمرانية وسيكولوجية، مما يجعلها أكثر تعقيداً من أن تُقتصر على جانب تقني أو هندسي محض. فعلى الرغم من الجهود المكثفة في اعتماد الحلول التقنية كالتشوير الطرقي، مراقبة السرعة، وضع الرادارات، وتحسين التصميم الهندسي للطرق، إلا أن هذه الإجراءات أثبتت محدوديتها أمام استمرار ارتفاع نسب حوادث السير وخطورتها المتزايدة.
1. محدودية المقاربة التقنية
غالباً ما ينطلق المهندسون من فرضية أن المشكلة تكمن في الطريق أو المركبة، فيتم التعامل معها عبر وسائط تقنية مثل توسيع الطرق، تثبيت ممرات محمية، وضع علامات التشوير والإنارة، واستخدام الرادارات لضبط السرعة. ومع ذلك، يبقى السلوك الإنساني الحلقة الأضعف، حيث تتجلى ممارسات مثل التجاوز، التهور، غياب احترام القوانين، استعمال الهاتف أثناء القيادة، شرب الكحول أو الإرهاق، وهي عوامل لا تستطيع الحلول التقنية وحدها ضبطها.
2. ضرورة فهم السلوك الإنساني
من منظور سوسيولوجي، لا يتحرك المغربي على الطريق فقط كسائق أو راجل، بل كفاعل اجتماعي يحمل تمثلات عميقة وعادات وقيم متأصلة. فمثلاً، كثير من السائقين يرون احترام إشارات المرور أو التقيد بالسرعة المحددة “تضييعاً للوقت”، وهو ما يعكس تمثلاً سلبياً للانضباط والالتزام. كما يُنظر إلى القوانين المرورية على أنها قيد خارجي يمكن التهرب منه، وليس جزءاً من الضمير الجمعي. إضافة إلى ذلك، تلعب ثقافة الرجولة والهيمنة دوراً في تصور القيادة المتهورة كرمز للقوة والجرأة.
3. المركبة كامتداد للذات
تتجاوز السيارة أو الدراجة النارية كونها وسيلة نقل محايدة لتصبح رمزاً للهوية والمكانة الاجتماعية. فالسيارات الفارهة توفر لصاحبها شعوراً بالتفوق والهيمنة على الطريق، بينما تعكس الدراجات النارية في المدن الصغرى صورة شبابية تتسم بالمخاطرة، مما يجعل من المركبة أداة لإبراز القوة أكثر من كونها وسيلة للانتقال بأمان.
4. البنية التحتية والسياق المجالي
تعكس البنية التحتية الطرقية في المغرب التفاوتات الاجتماعية والمجالية، حيث تتوفر طرق سريعة مجهزة بين المدن الكبرى، في حين تعاني القرى والمناطق الهامشية من مسالك متهالكة وغير آمنة. كما تؤثر جودة الطريق نفسها في سلوك السائق، إذ تدفع الطرق السيئة إلى الحذر، في حين قد تشجع الطرق الحديثة على زيادة السرعة. كما يساهم غياب النقل العمومي المنظم في العديد من المناطق في اعتماد مفرط على سيارات الأجرة والنقل غير المهيكل، مما يزيد من تعقيد الوضع.
5. نحو مقاربة سوسيولوجية شاملة
لتحقيق تحول نوعي في مجال السلامة الطرقية، من الضروري الانتقال إلى مقاربة شاملة تراعي الأبعاد التالية:
البعد الثقافي والتربوي: عبر ترسيخ احترام القانون في التنشئة الاجتماعية من خلال المدرسة والإعلام والأسرة.
البعد السلوكي: دراسة أنماط السلوك المروري وربطها بتمثلات السلطة والزمن والفضاء العام لدى السائقين.
البعد المجالي: تكييف السياسات مع خصوصيات المناطق الحضرية والريفية والطرق الوطنية.
البعد التشاركي: إشراك جميع مكونات المجتمع المدني من سائقين ومشاة في صياغة رؤية جماعية للسلامة الطرقية، بدلاً من فرضها بشكل قسري من الأعلى.
لا يمكن اختزال أزمة السلامة الطرقية في المغرب ضمن نطاق تقني فقط، بل هي أزمة ثقافة مرورية وعلاقة مع القانون والآلة والمجال. ومفهوم السلامة يجب أن يتوسع ليشمل أبعاداً اجتماعية وسلوكية تعكس تعقيدات الواقع المغربي.