منتدى العمق

حين تحاكم الحكومة المواطن على أخطائها

الحملة الأخيرة التي استهدفت أصحاب الدراجات النارية تكشف مرة أخرى عن انفصال السياسات العمومية عن الواقع المعيشي للمواطن. ففي الوقت الذي يئن فيه المغاربة تحت وطأة ارتفاع الأسعار وتآكل القدرة الشرائية، اختارت السلطات أن تفتح جبهة جديدة ضد وسيلة النقل الأكثر شعبية والأكثر استعمالًا من طرف الفئات البسيطة.

إن الدراجات النارية لم تكن يوما رفاهية، بل هي وسيلة أساسية للعمل والتنقل بالنسبة لآلاف المواطنين المغاربة في القرى والمدن على حد سواء. هذه الدراجات مرت عبر مراحل قانونية واضحة: بيعت في الأسواق والمحلات المخصصة بشكل عادي، وسجلت في مراكز الفحص التقني، وأُديت بشأنها رسوم وضرائب، بل إن الدولة نفسها استفادت من عائداتها الجمركية والضريبية.

أغلب الناس اقتنوها لقضاء أغراضهم اليومية أو للذهاب إلى عملهم، بل إن بعضهم اشترى بالدَّين وما يزال يسدد أقساطه للبائع، فكيف يمكن أن يُعاقَب المواطن البسيط على وسيلة عيشه وتنقله وكأنه ارتكب جريمة؟ أليس من الأولى أن تُسأل الجهات التي سمحت باستيرادها وتسجيلها بدل معاقبة المستعمل البسيط؟

الأخطر أن هذه الحملة جاءت في وقت تعيش فيه الطبقات الوسطى والدنيا ضغوطًا مالية غير مسبوقة. المواطن بالكاد يجد قوت يومه، ويعتمد على الدراجة النارية كوسيلة أقل تكلفة للتنقل، ليفاجأ اليوم بمصادرتها أو بفرض إجراءات مرهقة تفوق طاقته. هل من المعقول أن تتحول وسيلة الفقير في التنقل إلى عبء إضافي يثقل كاهله؟
وما يثير الاستغراب أكثر هو التدخل الارتجالي للحكومة لوقف الحملة بعد الغضب الشعبي، مما يكشف أن القرار لم يكن مدروسًا من الأصل. إذا كانت هذه الدراجات غير قانونية بالفعل، فكيف يُسمح باستعمالها سنوات طويلة ثم يتم التراجع فجأة؟ وإذا كانت قانونية، فما مبرر هذه الحملة من الأساس؟ إن هذا التذبذب والارتباك في القرارات لا يضرب فقط ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، بل يكشف عن غياب رؤية استراتيجية واضحة لإدارة قضايا مرتبطة مباشرة بحياة الناس اليومية.

الحملة الأخيرة إذن لم تكن مجرد خطأ في التقدير، بل دليل على انفصام خطير بين من يضع القرارات ومن يعيش يوميات الشارع. فالمواطن البسيط لا يحتاج إلى مزيد من التضييق، بل يحتاج إلى حلول واقعية تحترم حقه في التنقل وتراعي ظروفه الاقتصادية، بدل الزج به في متاهات لا ذنب له فيها.

الحملة الأخيرة إذن لم تكن مجرد خطأ في التقدير، بل دليل على انفصام خطير بين من يضع القرارات ومن يعيش يوميات الشارع.
إن الدراجة النارية اليوم لم تعد مجرد وسيلة نقل، بل صارت حقًا اجتماعيًا مرتبطًا بالقدرة الشرائية الهشة لشرائح واسعة من المجتمع. المساس بها يعني المساس مباشرة بقدرة المواطن على العمل، على التنقل، وعلى العيش الكريم. وأي سياسة لا تراعي هذه الحقيقة البسيطة، فهي سياسة محكومة بالفشل منذ البداية.