وجهة نظر

تغنوا بآلية إنسانية آتى بها قانون العقوبات البديلة

 

أصبحنا أمام آلية مصوغة تشريعيا ومسطرة قانونيا ومصونة قضائيا يتجنب من خلالها الأفراد عقوبات سالبة للحرية.

فنحن أمام بديل، وليس أي بديل، إنه يعوض العقوبة السالبة للحرية بعقوبة أقل ما يقال عنها أنها أقوم وأصلح للمتهم.

فهنيئا لنا بهذا الانفتاح لكي نبتعد عن ما هو غير ضروري، حتى تتم المحافظة على الطاقة الاستيعابية للسجون، ولا نكون أمام اكتظاظها، وقد يتساءل البعض متى كان اكتظاظ السجون مصلحا للمسجونين، ومرهقا ماليا. وليكن في العلم أنه ما أتى نظام العقوبات البديلة إلا استجابة للتحديات التي يفرضها السجن من حيث التكلفة والآثار النفسية والاجتماعية على الجناة.

وإن من التوفيق أن يتم الالتجاء عوض اكتظاظ السجون إلى اكتظاظ الشوارع، يتم من خلالها استقطاب الجاني إلى الاندماج المجتمعي والتشبع الأخلاقي.

نعم في هذا الشهر شهر غشت أتحفنا السجون بقانون سيقلل من تواجد المتهمين ليتواجدوا مع المصلحين حتى يتم إصلاحهم، فمن هو المتهم المعني بهذا القانون، المتغني بأوتار الحرية، أمن الممكن أن يكون مرتكب جناية الاغتصاب حتى يستفيد أم لا من هذا القانون، أم أن مرتكبي الجنح هم المعنييون!!!!

لا لا تريث قليلا، لا هذا ولا ذاك أليس مرتكبوا المخالفات….هم غير المقصيون فقط!!!!

تساؤلات وأخرى سيثيرها الشارع العام، بل أصبحت تثار بشدة الآن بعد أن اهتدت المحاكم إلى تطبيق القانون رقم 43.22، وهذا هو أهم سؤال من الممكن أن يتبادر إلى الأذهان: أليس الأحق أن نتعرف عن البدائل المقررة وبما ستستبدل العقوبة الأصلية؟ لكن ما هي العقوبة التي سيطالها التبديل وتستبدل بأخرى؟

الكل وضع نصب عينيه صوب هذا القانون، فقطب القضاء الجنائي بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية أصدر الشرح العملي لقانون العقوبات البديلة ومرسومه التطبيقي في 538 صفحة، ورئاسة النيابة العامة أصدرت دليلا استرشاديا لقضاة النيابة العامة حول تنفيذ ذات القانون الذي يحمل رقم 43.22 والمرسوم التطبيقي له رقم 2.25.386 في 257 صفحة.

فهل نحن أمام ثورة تشريعية جنائية قبل العقوبات؟

بلى هو كذلك وبدون تمهل ولا روية تفكير.

فهل أنت توافقني…

من فضلك لنتمهل جميعا فقد طبق حديثا، ولا يجب أن يغيب هذا عن البال، ونترك فرصة للسادة القضاة لتطبيق بنود قانون فتي.

لذلك، فقد ارتمينا إلى البديل عن العقوبات الأصلية لأنها لم تحقق المقصود، ولا وفقت في الوصول إلى المطلوب، لربما هذا هو الحاصل، أو نوهم أنفسنا بذلك، لكن أظن بأن هناك ضيق لدى عتاة المجرمين من العقوبات الأصلية، ولربما والظن احتمالي أن الماكينة التشريعية شرعت قبلا سنة 1962 في عدم شمل العقوبات الأصلية بالبدائل أو يحسب كأنه هو…

وفي كل الأحوال هي مبادرة تشريعية متميزة لأن المنظومة العقابية الوطنية تتوق إليها، كما استنجدت بها بعض القوانين المقارنة العربية.

ففي مصر يعد القانون رقم 95 لسنة 2003 وهو أول تشريع يُنظم العقوبات البديلة حيث أدخل “العمل للمنفعة العامة” كعقوبة بديلة عن السجن في جرائم بعقوبة لا تتجاوز 6 أشهر، كما يسمح للقضاة فرض عقوبة بدلًا من السجن في جرائم معينة بشرط أن يكون الجاني مُدانًا في جريمة عقوبتها الحبس وأن يكون غير خطر على المجتمع. كما أن التعديلات في القانون رقم 189 لسنة 2020 وسعت نطاق العقوبات البديلة ليشمل جرائم بعقوبة حبس تصل إلى 3 سنوات مع إدراج عقوبات جديدة منها:

* الإقامة الجبرية مع المراقبة الإلكترونية.
* الخضوع لبرامج تأهيلية أو علاجية.
* منع زيارة أماكن معينة.

كما تفطن المشرع القطري إلى أهمية بدائل العقوبات السالبة للحرية فصدر القانون رقم (23) لسنة 2009 بتعديل المادة رقم (57) من قانون العقوبات رقم (11) لسنة 2004 فقرر عقوبة التشغيل الاجتماعي باعتبارها عقوبة أصلية.

كما يعتبر المشرع البحريني من أوائل التشريعات العربية التي وضعت قانونا للعقوبة البديلة والتدابير البديلة بقانون يحمل رقم 18 لسنة 2017م.

ونص المشر ع الإماراتي على تدبير الخدمة المجتمعية في المادة 111 من قانون الجرائم والعقوبات الصادر بمرسوم اتحادي رقم (31) لسنة2021 باعتباره تدبيراً من التدابير المقيدة للحرية.

ولنكن موضوعيين أكثر، لطالما تم تدريسنا في الكليات من قبل أساتذتنا الكرام وفي حضرة الزمن الجميل وفي خضم مجموعة القانون الجنائي الذي لم يعرف العقوبات البديلة وأقر وتوطد بالأصل فقط، أن العقوبات حسب الفصل 14 منه إما أصلية أو إضافية، لأن الطلبة الآن سيلقنون فنون التعامل مع البدائل، ولنكن واثقين أن المهم في هذا الأمر أن نصلح المجرم أم نهلكه ونغل يده، ذلك الإبن الصغير الذي ارتكب غلطا ما أو خطأ يوجب تأديبه لكن عوض ذلك اضطررت إلى منعه من الطعام، فلم يركن من بعد ذلك إلى اعتماد ذلك السلوك إلا أن يذعن لأوامرك لأنه سيفكر ألف مرة في أنه سيمنع من الطعام، والقانون أوامره أذعن وبدائله ستتغيا نفس الوجهة في هذا الصدد.

وتلميذك أيها المعلم الذي لم يقم بالواجب وعوض أن تضربه بعصاتك التعليمية أرغمته على تكرار ذلك الواجب عشر مرات، ترك ذلك الفعل الذي أرغمه على البكاء والصراخ والسهر في نفسه شرارة لعدم الإقدام على الأمر مجددا والقيام بالواجبات المدرسية، وهي أمثلة من الواقع العملي سيكون لها أثر كبير لدى المجرمين.

فالواجبات المجتمعية تقتضي تمتيع بعض المجرمين المرتكبين لأفعال معينة لم تتجاوز سقفا معينا من العقوبة يستفيدون من البدائل حتى تكون عبرة له بأنه اشترى سعادته وعدم الدخول للسجن وثنيه من التفكير مستقبلا في هذا الفعل.

هذا لا يعني أن أي فعل يأتيه الإبن أو التلميذ لا يوجب فقط التأديب والنهي، كما أن المجرم لا يرتكن قبله إلى العقوبة البديلة في كل فعل يأتيه، فالقانون رقم 43.22 واضح وحدد الأفعال التي توجب تطبيق هاته البدائل، والتي تصدر عن قضاة الحكم أو عن قضاة تطبيق العقوبات، وخول لقضاة النيابة العامة مواكبة إقرار هذه العقوبات وتتبع تنفيذها منذ صدور الحكم بها إلى تمام تنفيذها.

إذا المنظومة القانونية الجنائية بالمملكة المغربية تشهد حدثا بارزا وورشا إصلاحيا واعدا في إطار ما يعرف بتحديث المنظومة القانونية، وكما جاء في الكلمة التقديمية للشرح العملي لقانون العقوبات البديلة ومرسومه التطبيقي اعتبر أنه: “إحدى لبنات إصلاح السياسة الجنائية في بلادنا تماشيا مع التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى إعادة النظر في العقوبات القصيرة المدة، وتفادي الاكتظاظ السجني، وتعزيز دور القضاء في إرساء آلة ناجعة وإنسانية وفعالة.

وكما جاء في الكلمة التقديمية للدليل الاسترشادي لقضاة النيابة العامة حول تنفيذ العقوبات البديلة فإنه ينبغي ضمان: “الموازنة بين مصلحة أطراف الخصومة الجنائية ومصلحة الدولة من خلال التخفيف من الأعباء المالية التي تثقل ميزانيتها بسبب ما يتطلبه تدبير وضعية السجناء المحكومين بعقوبات سالبة للحرية من نفقات”.

وبالرجوع إلى الباب الأول المكرر التالي المتمم للجزء الأول من الكتاب الأول من مجموعة القانون الجنائي فقد حدد نطاق الجرائم التي يمكن الحكم بالعقوبات البديلة عن العقوبات السالبة للحرية بموجب الفصل 1-35 وهي: الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجلها خمس سنوات حبسا نافذا.

ومع ذلك حدد الفصل 3-35 مجموعة من الجنح التي لا يمكن الحكم بالعقوبات البديلة قبلها ولو لم تتجاوز العقوبة المحكوم بها خمس سنوات حبسا نافذا وقد عددها المشرع في ثمانية جرائم.

والأكيد أن هاته العقوبة البديلة تحول دون تنفيذ العقوبة السالبة للحرية على المحكوم عليه، شريطة تنفيذه للالتزامات المفروضة عليه ووفق الشروط والأحكام التي أتت على ذكرها باقي الفصول.

وهاته العقوبات البديلة محددة حصرا في:
1) العمل لأجل المنفعة العامة.
2) المراقبة الإلكترونية.
3) تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية.
4) الغرامة التهديدية.

ومن أجمل ما قرأت وتحت عنوان: “هل تَصْلُح القراءة .. قانوناً جنائياً راقياً ؟! ” بقلم الدكتور: عيسى صالح الحمادي، فقد تبنت الحكومة البرازيلية برنامجًا رائدًا أُطلِق عليه الخَلَاص بالقراءة أو (الافتداء من خلال القراءة)، وذلك ضمن القانون الجنائي بالبرازيل، وهو عبارة عن طريقة جديدة راقية يدفع من خلالها السجناء ثمن جرائمهم بتنفيذ العقوبات عليهم من خلال قراءة كتاب في الأدب الوطنيّ الكلاسيكي، أو العلمي أو الفلسفة؛ حيث يقرأ السجين الكتاب، ثم يقوم بكتابة مقال عن الكتاب بشكل سليم وواضح وخالٍ من الأخطاء طبقًا لمعايير لجنة خاصة لذلك، وعندها يُخفَّف عنه أربعة أيام من مدة عقوبة السجن. كما أنَّ الحد الأقصى لقراءة الكتاب هو اثنا عشر كتابًا في السنة؛ حيث يساهم ذلك في خفض العقوبة ثمانية وأربعين يوما من كل سنة.

وأدعو مثله تماما إلى تشريع عقوبة القراءة باعتبارها الخيار الأمثل للعقوبات البديلة.

والغاية القصوى أن الضرورة تقتضي من المحكمة عند إصدارها للعقوبات البديلة تحقيق أهداف العقوبة في:
1) إعادة تأهيل المحكوم عليه.
2) تقويم سلوك المحكوم عليه.
3) استجابة المحكوم عليه لإعادة الإدماج.
4) الحد من حالات العود.