أليونس مهدية
مجتمع

مشروع “أليونس مهدية” بالقنيطرة.. مدينة نموذجية على الورق تغرق في النفايات والتهميش (فيديو)

“قهرونا، قهرونا بالريحة ديال الزبل”. بهذه الكلمات المليئة بالمرارة، تلخص مواطنة مصير مشروع “أليونس مهدية”، الواقع في قلب جماعة مهدية على مشارف المحيط الأطلسي وبالقرب من محمية سيدي بوغابة بإقليم القنيطرة.

المشروع، الذي وُصف في الوثائق الرسمية بالمثال النموذجي للعيش الحضري، تحول إلى واقع مختلف تماما عن الوعود المعلنة للسكان، حيث باتت المنطقة تواجه مشكلات متراكمة تتعلق بالنظافة، البنية التحتية، المرافق العمومية، وغياب المرافق المخصصة للشباب والثقافة.

وبين ما خُطط على الورق وما يعيشه السكان يوميا، تمتد مسافة شاسعة من الإهمال والتهميش، إذ يشير السكان إلى أن الكثافة السكانية المتزايدة لم تصاحبها أي خطة استباقية من المسؤولين المحليين، ما جعل الحي يرزح تحت وطأة نقص الخدمات والاهتمام الرسمي.

أزمة نفايات خانقة

تعتبر أزمة النفايات المشكلة الأكثر إلحاحا التي تؤرق مضاجع ساكنة حي “أليونس”. فبعد أن كانت شركة النظافة تقوم بمهامها بشكل شبه منتظم، توقفت الخدمة فجأة بعد عيد الأضحى الأخير، مما حول شوارع وأزقة الحي إلى ما يشبه “مقلعا للنفايات”، على حد تعبير أحد السكان.

يعود السبب، حسب شهادات متطابقة، إلى انتهاء العقد الذي يربط المجلس الجماعي بشركة التدبير المفوض، والذي لم يكن أصلا يشمل حي اليونس باعتباره منطقة حديثة النشأة. ومع توقف الشركة عن العمل، تكدست أكوام القمامة في كل مكان، خاصة بعد إزالة حاويات القمامة “البركاسات” من عدة نقاط دون توفير بديل، مما أجبر السكان على رمي نفاياتهم في أراضٍ فارغة وبالقرب من التجمعات السكنية.

تقول إحدى القاطنات: “حنا راه ولادنا مرضوا بهاد الريحة، مرضوا. وحنا مرضنا”، مشيرة إلى الأضرار الصحية والبيئية الناجمة عن الروائح الكريهة وانتشار الحشرات. وتضيف أخرى بحسرة: “خسارة، بلاصة بحال هادي سياحية وغيديروا فيها عمارات وأوطيلات تكون بهاد الحالة، راه ما يمكنش”.

ورغم تدخل السلطات الإقليمية مؤخرا بتوفير آليات للمجلس الجماعي للقيام بعمليات جمع مؤقتة، إلا أن الحل يظل جزئيا، حيث تكتفي الشاحنات بتفريغ الحاويات الممتلئة، تاركة وراءها النفايات المشتتة على الأرض ومخلفات البناء التي تزيد من تفاقم الوضع.

عزلة وتهميش في مدينة جديدة

لا تقتصر معاناة سكان حي اليونس على أزمة النظافة، بل تمتد لتشمل غيابا شبه تام للمرافق الحيوية والبنية التحتية الأساسية التي وُعدوا بها على مخططات المشروع، حيث يشير السكان إلى أن أراضي المرافق العمومية مثل المستوصف الصحي، دار الشباب، المقاطعة الإدارية، وحتى المحكمة، محددة على الخرائط منذ عام 2017، لكنها بقيت حبرا على ورق.

وفي هذا الصدد يقول أنس الصويري وهو فاعل جمعوي يقطن بالمشروع في تصريح لجريدة “العمق”: “أنا ساكن هنا، غادي نمشي حتى لحي القصبة باش نقدر نخرج ورقة الازدياد أو نصادق على ورقة، وماكينش طاكسي اللي يوصلني أصلا”.

وشدد أنس على أن الحي يعاني من نقص حاد في وسائل النقل، حيث يضطر السكان لقطع مسافات طويلة سيرا على الأقدام للوصول إلى أقرب محطة للحافلات أو سيارات الأجرة، مبرزا أن هذه العزلة تزيد حدة بسبب عدم استكمال الطريق الرئيسي الذي كان من المفترض أن يربط الحي مباشرة بالطريق الوطنية، وهو مشروع “يكفي وحده لفك العزلة عن الحي” لو تم إنجازه.

وأضاف الفاعل الجمعوي أن مشروع “أليونس”، يعاني أيضا من ظلام دائم وانعدام للأمن، حيث الإنارة العمومية شبه منعدمة في معظم أزقة الحي، مما يحولها إلى مناطق موحشة ليلا ويزيد من شعور السكان بانعدام الأمان، خاصة مع انتشار الكلاب الضالة.

وبالإضافة إلى ذلك، تحولت المساحات الخضراء بالمشروع إلى خراب، حيث صارت الحديقة الوحيدة، التي كانت متنفسا للأطفال والعائلات، اليوم أشبه بـ “مدينة أشباح”، ألعابها محطمة وأرضها مغطاة بالأزبال، وفي الليل تتحول إلى مرتع للمنحرفين ومستهلكي المخدرات.

نمو ديموغرافي متسارع وتخطيط غائب

يكمن جوهر المشكلة، وفق تصريحات السكان، في الفجوة بين النمو السكاني الهائل الذي شهده الحي والتخطيط المصاحب له من طرف المسؤولين، إذ انتقلت جماعة مهدية في سنوات قليلة من حوالي 14,000 نسمة إلى أكثر من 50,000 نسمة، يستأثر حي اليونس وحده بـ 30,000 منهم.

هذا الانفجار الديموغرافي، الذي شمل استقطاب فئة من السكان “بفكر جديد ووعي مختلف”، لم تواكبه رؤية تنموية أو تأقلم في طريقة تدبير المجلس الجماعي، حيث يرى الفاعل المدني أن دفتر التحملات الخاص بشركة النظافة السابقة لم يتوقع هذا الامتداد العمراني السريع، مما أدى إلى تعثر الخدمة.

ويطالب السكان اليوم بحلول جذرية تتجاوز التدخلات المؤقتة، على رأسها؛ إبرام عقد جديد وفعال لتدبير النفايات يشمل كل مناطق الحي، وتوفير المرافق العمومية التي تم التخطيط لها على الورق، واستكمال مشاريع البنية التحتية، وعلى رأسها الطريق الرئيسي وشبكة الإنارة العمومية، بالإضافة إلى إنشاء مرافق للشباب كالملاعب ودور الثقافة لحمايتهم من الانحراف.

ويظل أمل ساكنة الحي معقودا على أن تتحول الوعود إلى واقع، مؤكدين أن حي أليونس، بجمال موقعه وطبيعة سكانه، يمتلك كل المقومات ليصبح “نقلة نوعية لجماعة مهدية كاملة”، لكن هذا الطموح يصطدم بواقع مرير يتطلب التفاتة جادة ومسؤولة من كافة المتدخلين قبل أن تتحول “المدينة النموذجية” إلى مجرد حلم ضائع.