آخر أخبار الرياضة

أضواء كاشفة | اقتحام “المؤثرين” للمشهد الرياضي.. “تسطيح” للوعي وترويج لسردية واحدة!

بدا المشهد الرياضي، في السنوات القليلة الماضية، مُختلفا من حيث مكوناته والفاعلين في رحابه، بعد اقتحام عُنصر جديد، عنوة، المنظومة الرياضية، بالموازاة مع ركون الإعلام الرياضي إلى الخلف، وحشره في الزاوية، مُقابل فتح الباب مشرعا أمام ما يُدعى بـ”المؤثرين”، الذين صاروا يتسيّدون الساحة ويستحوذون عليها.

ورغم أن هؤلاء “المؤثرين” يعوزهم التكوين الثقافي والرياضي وكذلك الحس الصحفي في معظم الأحيان، إلا أنهم أضحوا يعتلون قائمة المُفضّلين لحضور التظاهرات الرياضية في المغرب، مُعتمدين على “البهرجة” في تناولهم للقضايا والمواضيع، مع إقحام جرعات عالية من “السطحية” و”الشعبوية” التي تتماهى سيكولوجياً وعلمياً مع فئة عريضة من الجماهير والمتابعين.

وفي غمرة التحوُّل التكنولوجي المتسارع والاستهلاك المُفرط للمستجدات في مواقع التواصل الاجتماعي، بات هذا الفاعل الجديد مصدرا رئيسيا للعديدين في التزود بالمواقف وتشكيل الآراء الذاتية، كما أنه أصبح يُجيد إنتاج الأحكام الجاهزة في الكثير من الحالات، دون أن يُحرّض المُتابع على توسيع مداركه وتحريك مجهوداته الذهنية بالشكل الذي يُساهم في بناء المجتمعات الواعية.

وينطلق هذا النزوع نحو استدعاء “المؤثرين” إلى مختلف الفعاليات، في السنوات الأخيرة، إلى اطمئنان المسؤول الرياضي بشأن الزاوية التي سيتعاطى بها هؤلاء مع الأحداث، حيث يُعطّلون الحس النقدي ويستنهضون “تضخيم” الجزئيات و”تهويل” ما يندرج في خانة الواجبات التي تدخل في صميم الأدوار المنوطة بالجهات المشرفة على الشأن الرياضي.

في المقابل، تقلّصت مساحة الإعلام الرياضي في الاشتغال والاضطلاع بما هو مسنود له منذ القِدم، حتى أنه لم يَعُد سوى عُنصرا مكملا أمام جيش “المؤثرين” الذين غزوا المشهد، وهو ما يطرح تساؤلات راهنية وملحة بشأن مستقبل المهنة في المغرب، بالتزامن مع استعداد المملكة لاحتضان أحداث رياضية ذات إشعاع دولي واهتمام قاري وعالمي.

في غضون ذلك، يعتبر العديدون أن دور الإعلام الرياضي لا مناص من الاستعانة به في رسم مشهد مبني على الحرية والتدافع على مستوى الأفكار وتجويد المواقف، ويعزون ذلك إلى أن هذا المكون يظل رافدا أساسيا، خاصة في الدول المتقدمة، للرفع من الذوق العام والمساعدة على التسلُّح بالوعي المجتمعي اللازم لمقاربة القضايا الحالية والمستقبلية.

ومع مُضي المغرب نحو استضافة تظاهرات من قبيل كأس أمم أفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، يجري التمادي من طرف المسؤول الرياضي في الاعتماد على “المؤثرين”، مُنطلقا من زاوية يمتزج فيها “الربحي” و”الإعلاني” بـ”الفكري”، فهذا العنصر يضمن للجهات المسؤولة الانتشار الدعائي جنبا إلى جنب مع التأثير على المتابع والمتلقي.

ويعود آخر تجسيد لهذا النموذج إلى الاستراتيجية التنظيمية التي اعْتُمدت في الترويج للحلة الجديدة لـ”الملعب الكبير لطنجة”، إذ عمد المشرفون على هذا المرفق الرياضي إلى استدعاء “مؤثرين” من مختلف الجنسيات، مع إكمال عقد الحاضرين ببعض المنابر الإعلامية المعدودة على رؤوس الأصابع.

وينطبق هذا المثال على معظم التظاهرات الرياضية المُقامة بالمملكة في السنوات الأخيرة، وقد ساهم ذلك في بناء موقف تغيب عنه التعددية واختلاف الآراء والتقديرات، بفعل اتِّحاد هؤلاء “المؤثرين” في التسويق لسردية واحدة لا تترك مجالا للاجتهاد الفكري والحس النقدي الذي ينشد من خلفياته تقويم الانحرافات، والمساهمة في الرفع من جودة المُنجز، من خلال رصد مكامن القصور.

ورغم ذلك، يُحمّل البعض مسؤولية هذا الصعود المتنامي لـ”المؤثرين” و”التواري” المُلاحظ للإعلام الرياضي إلى هذا الأخير في جزء منها، ذلك أنه لم يستطع مجاراة التطور التكنولوجي والتطابق مع الخصائص التي يتميّز بها الجيل الحالي من المتلقي، والذي تُعد كيفية استهلاكه للمنتوج مختلفة تماما عن الأجيال السابقة.

وستحمل التظاهرات القادمة تصورا أكثر تبلورا وبروزا حول المنهجية التي يتبنّاها المسؤول الرياضي إزاء العلاقة الجدلية بين “المؤثرين” والإعلام الرياضي، وما إن كان سيمضي قدما في ما أظهره من بوادر تشي بتوظيف العنصر الأول و”إقبار” الثاني، أو العدول عن هذا الطرح وإعادة الاعتبار للصحافة كفاعل أساسي في تشييد صرح التنمية.