مجتمع

باحث مغربي يحذر من هشاشة الرقمنة العمومية.. 77% من الخدمات الإدارية خارج التغطية

في ظل التحول المؤسساتي والمجتمعي الذي يشهده المغرب، وفي سياق الهيمنة المتزايدة للتقنيات الرقمية على مفاصل الحياة اليومية، كشفت أطروحة جامعية أنجزها الباحث سليمان العمراني  عن ضعف كبير في التحول الرقمي للمرفق العام، رغم بعض المبادرات الإيجابية المسجلة في هذا المجال.

وقد سلطت جائحة كوفيد-19 الضوء على هذا الخصاص، لا سيما خلال فترة الحجر الصحي، حيث واجه المواطنون صعوبات كبيرة في استخدام الخدمات العمومية الرقمية والقيام بالتحويلات المالية عن بعد.

رقمنة غير مكتملة 

خلصت الدراسة الأكاديمية الموسومة بـ “المرتفق والحكومة الرقمية بالمغرب (2025-2005): تحليل نسقي ودراسة الحالة في أربع جهات ” إلى أن عدد الخدمات العمومية التي تم رقمنتها بلغ 766 خدمة، إلى جانب إحداث منصة “جسر” لتبادل المعطيات بين الإدارات، وسَنّ تشريعات داعمة لهذا التحول. غير أن نسبة الرقمنة العامة ظلت ضعيفة، إذ لم تتجاوز 23% مع نهاية سنة 2023.

تناقش هذه الأطروحة العلاقة بين المرتفق والحكومة الرقمية في المغرب خلال الفترة (2005-2025)، من خلال تحليل نسقي ووفق استبيان استهدف أربع جهات جغرافية. تهدف الدراسة إلى تقييم جودة الخدمات العمومية الرقمية، ومدى تبني المقاربة التشاركية بشأنها، وفعالية التسويق العمومي لها، ومستوى استعمال المواطنين لهذه الخدمات، انطلاقا من إشكالية: إلى أي مدى وفقت المرافق ، العمومية في جعل المرتفق موضوعًا للخدمات العمومية الرقمية بالارتقاء بجودتها وتسويقها له، واعتباره فاعلا فيها عبر إشراكه في بنائها وقياس مستوى استخدامها ؟

و أظهرت المعطيات التي قدمتها الأطروحة الجامعية، غياب دليل مرجعي موحد لمعايير جودة الخدمات العمومية الرقمية، حيث لم تتعدّ نسبة وجود هذا الدليل 40.1%. واقترح الباحث العمراني في هذا الصدد مصفوفة معايير لجودة الخدمات العمومية الرقمية، تشمل الولوج، التفاعل، الدقة، الأمان، والقيمة.

ودعا الباحث المغربي إلى اعتماد نظام وطني موحد لتلك المعايير، إلى جانب إرساء آلية تقييم دورية لتتبع مدى فعاليتها. ورصدت الأطروحة الجامعية ضعف في التسويق العمومي وتدني الوعي المجتمعي على مستوى التسويق العمومي، وكشفت  أن البحث الذي اعتمده عن جهل كبير لدى المواطنين ببوابة “إدارتي” والبوابة الوطنية للمشاركة المواطنة، رغم أهميتهما في منظومة الرقمنة. كما سجل غياب سياسة واضحة للتسويق العمومي للخدمات الرقمية، مما يحول دون بلوغها للفئات المستهدفة بالشكل المطلوب.

واقترح سليمان العمراني إلى إطلاق حملات تواصلية مكثفة موجهة لمختلف الشرائح الاجتماعية، بهدف تعزيز الثقة في الرقمنة العمومية، مع إحداث مرصد وطني خاص بتحليل سلوك المرتفقين، كخطوة أساسية لبلورة سياسة تسويقية فعالة تواكب تطور الخدمات.

تدني نسب الاستخدام

من أبرز النقاط التي سجلتها الأطروحة أيضا، ضعف المقاربة التشاركية في تصميم وتطوير الخدمات العمومية الرقمية، وغياب سياسة واضحة للتشاور مع المرتفقين، سواء من المواطنين أو من القطاع الخاص والمجتمع المدني.

وأكدت الدراسة، على ضرورة التعجيل بإصدار قانون خاص بالتشاور العمومي، وإنشاء منصة وطنية للمشاركة الرقمية، وتبني استراتيجية تشاركية شاملة تأخذ بعين الاعتبار مختلف الفاعلين. أما على مستوى الاستخدام، فكشف الاستبيان أن نسبة استعمال المواطنين للخدمات الرقمية لا تتعدى 32.9%.

وأرجع المستجوبون ذلك إلى عدة عوامل، أبرزها ضعف جودة هذه الخدمات، محدودية التسويق العمومي، وغياب إشراك حقيقي للمرتفقين في بلورة هذه الخدمات.

دعت الأطروحة في ختامها إلى ضرورة تعبئة سياسية واجتماعية شاملة لتعزيز الاستخدام الفعلي للخدمات الرقمية، وذلك من خلال حملات توعوية وتحسيسية، وشراكات مع المجتمع المدني، إلى جانب مأسسة آليات قياس استخدام المواطنين لتلك الخدمات، كخطوة نحو إصلاح جذري يواكب متطلبات العصر الرقمي.

وحسب الأطروحة الجامعية يبقى التحول الرقمي ضرورة ملحة لتحديث الإدارة المغربية وتحسين علاقتها بالمواطن، وهو ما يتطلب إرادة سياسية قوية، واستراتيجيات متكاملة، وإشراكاً حقيقياً للمرتفقين في صياغة وتقييم السياسات العمومية الرقمية.