مجتمع

من رمز للتضامن إلى أطلال صامتة.. المخزن الجماعي “كوركدة” بورزازات يقاوم الانهيار (صور)

يعد المخزن الجماعي بدوار كوركدة، التابع لجماعة إزناكن بإقليم ورزازات، من بين المعالم المعمارية التي تحكي جزءاً من تاريخ المنطقة، حيث شُيِّد ليكون فضاءً جماعياً لتخزين المحاصيل الزراعية وحماية المؤن من عوامل الطبيعة وأخطار النهب.

غير أن هذه البناية، التي كانت رمزاً للتضامن والتعاون بين سكان الدوار، لم تسلم من الإهمال، إذ تعرضت جدرانها للتشققات وانهيارات جزئية، وتحولت إلى فضاء مهجور يثير الحسرة في نفوس الساكنة، بعدما كانت في السابق القلب النابض للأنشطة الفلاحية والإجتماعية.

ساكنة كوركدة عبّرت عن أسفها العميق للوضع الذي آل إليه هذا المخزن، مؤكدة أن إعادة ترميمه وصيانته من شأنها أن تحفظ ذاكرة الأجيال، وتعيد الإعتبار لإرث معماري وثقافي يعكس أسلوب عيش أجدادهم وقيم التضامن التي ميزت حياتهم.

كما طالبت الساكنة الجهات المعنية، سواء على المستوى الجماعي أو الإقليمي، بالتدخل العاجل لإصلاح هذا الموروث التاريخي قبل اندثاره بشكل نهائي، وتحويله إلى فضاء ثقافي أو سياحي يمكن أن يساهم في التعريف بالمنطقة وإبراز قيمها الحضارية.

في هذا الإطار، استعاد الحاج الحسن ادلشكر، البالغ من العمر 87 سنة، ذكريات حية عن هذا الفضاء قائلاً: “أتذكر كل المراحل التي مرّ منها المخزن خلال حياتي، فقد كان بمثابة بنك مؤمَّن للساكنة، حيث كانت كل أسرة تخزن فيه محصولها من الحبوب والمؤن، وهو ما كان يضمن الأمن الغذائي والتكافل بين الناس.

وأضاف الحاج الحسن في تصريح لجريدة “العمق المغربي “، أن المخزن ليس مجرد بناية طينية تقليدية، بل رمزا للتعاون والتضامن الذي كان سائدا بين الأجيال السابقة، حيث ساهم في صون قوت الساكنة في أوقات الأزمات والجفاف.

وأكد ادلشكر، أن مع مرور الوقت وتغير أنماط العيش، ترك هذا الفضاء عرضة للإهمال، فتصدعت جدرانه وانهارات أجزاء كن بنياته، ليغدو اليوم مهددا بالإنهيار شبه الكامل، في غياب أي تدخل من الجهات المسؤولة لترميمه ورد الإعتبار له.

وأضاف المتحدث ذاته، أن نصف قبيلة إزناكن كانت تخزن محصولها في هذا المخزن الجماعي، مشبهاً إياه بـ”البنك” الذي يحفظ مؤونة السكان، موضحا أن أهالي دواوير آيت مسري، أصديف، أكلميم وكوركودة كانوا يتقاسمون الإستفادة من المخزن، حيث يخصص لكل دوار نصيبه، فيما يتولى حارس خاص مهمة مراقبة المؤونة مقابل واجب مالي يؤديه السكان.

وطالب الحاج الحسن بضرورة الإسراع في إصلاح هذه المعلمة التاريخية، مؤكداً أن اختفاء مثل هذه المآثر يعد خسارة كبيرة، إذ أن إعادة التاريخ أمر في غاية الصعوبة.

من جهته، أوضح محمد بقسو أن هذا المخزن الجماعي كان بمثابة “بنك قديم” يحتفظ فيه الأهالي بمحاصيلهم الزراعية من شعير وقمح، إضافة إلى الصوف والذهب وغيرها من الممتلكات، وذلك اتقاءً لقطاع الطرق ومخاطر الحروب الأهلية والقبلية آنذاك، غير أن هذا الفضاء، الذي شكّل لعقود حصنا للأمن الغذائي والمحلي، تحول اليوم إلى فضاء مهجور طاله الإهمال وتعرض جزء كبير منه للخراب.

وطالب بقسو، في حال وُجدت آذان صاغية وقلوب رحيمة لدى المسؤولين عن هذا القطاع، بضرورة التدخل الفوري والعاجل لإصلاح “أكادير” أو “تيغرمت” كما يُطلق عليها بالأمازيغية، حفاظاً على هذه المعلمة التاريخية من الاندثار.

وتظل المخازن الجماعية شاهدا حيا على عبقرية الإنسان الأمازيغي والمغربي في تدبير المؤونة وحماية الثروات، فهي ليست مجرد بنايات حجرية، بل ذاكرة تاريخية تختزن بين جدرانها قصص التكافل والتضامن وملامح حياة جماعية يصعب أن يعيدها الزمن.