مجتمع

تقرير رسمي: تفاقم الفوارق الاجتماعية تحت ضغط الأزمات يعيد المغرب إلى مربع سنة 2001

قالت المندوبية السامية للتخطيط إن الأزمات الصحية والاقتصادية كرست الفوارق المجالية بالمغرب ورفعت مستوى المعيشة منذ سنة 2019، وأثر ذلك على الأسر الثرية والمتواضعة على حد سواء.

وأوضحت المندوبية، في مذكرتها التحليلية المعنونة بـ”مكافحة الفقر وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، التنمية البشرية والمساواة بين الجنسين في المغرب: الإنجازات والتحديات”، أنه “بين عامي 2001 و2022، شهد المغرب تطورات متباينة في فوارق مستوى المعيشة، حيث يمكن تمييز ثلاث مراحل متتالية، من خلال فترة أولية (2001-2014) من التراجع المعتدل في الفوارق، تلتها فترة من التحسن النسبي بين عامي 2014 و2019، ثم عودة لتفاقم الفوارق من 2019 إلى 2022 تحت تأثير الأزمات الصحية والاقتصادية.

تراجع معتدل للفوارق خلال العقد الأول من الألفية الثالثة

ذكرت المندوبية السامية للتخطيط أن الفترة من 2001 إلى 2014، شهدت تحسن متوسط مستوى معيشة الأسر لجميع السكان، مع تقدم ملحوظ بشكل خاص للفئات المتواضعة والمتوسطة، وبفضل هذا النمو الأكثر شمولية، أصبح توزيع النفقات أقل تركيزًا قليلاً في قمة السلم الاجتماعي، وبالتالي، انخفض الفارق في النفقات بين 10% من الأسر الأكثر ثراءً و10% الأقل ثراءً من 12.2 مرة إلى 11.8 مرة، كما انخفض المؤشر، الذي يقيس التفاوت الإجمالي في التوزيع الاجتماعي لمستوى المعيشة، بتسجيل انخفاض طفيفًا جدًا، منتقلاً من 40.6% في عام 2001 إلى 39.5% في عام 2014.

ويشير هذا الانخفاض، وفق التقرير ذاته، على الرغم من تواضعه، إلى أول انعطافة نحو انخفاض الفوارق المرتفعة تاريخيًا، وكان هذا الانخفاض أكثر وضوحًا في المناطق الحضرية، حيث انخفض المؤشر من 41.1% إلى 38.8% بين عامي 2001 و2014، مقارنة بالمناطق القروية، من 33.1% إلى 31.7% خلال نفس الفترة، مما يعكس تحسنًا أكثر وضوحًا قليلاً في المدن.

كما انخفضت حصة إجمالي الاستهلاك التي يملكها النصف الأكثر ثراءً من الأسر بشكل طفيف، بينما ارتفعت حصة 50% الأقل ثراءً من 23.4% إلى 24.2% بين عامي 2001 و2014، وبالمثل، ظلت النسبة بين متوسط مستوى معيشة 20% الأكثر ثراءً و20% الأقل ثراءً دون تغيير تقريبًا (حوالي 7 مرات) خلال هذه الفترة، مما يشير إلى أن الفجوة القصوى لم تتدهور.

ومن حيث النمو، استفادت الأسر الأكثر تواضعًا من زيادة حقيقية في مستوى معيشتها بنحو 3.8% سنويًا بين عامي 2001 و2014، وهي وتيرة أعلى قليلاً من وتيرة 20% الأكثر ثراءً (3.3%)، وتعكس هذه التطورات انخفاضًا تدريجيًا ولكن معتدلًا في فوارق مستوى المعيشة خلال العقد الأول من القرن.

تحسن نسبي في وضعية الفوارق الاجتماعية بين 2014 و2019

أبرزت المندوبية السامية للتخطيط أن الفترة 2014-2019 تميزت بمواصلة وتعزيز نسبي لانخفاض الفوارق، فقد تحسن مستوى المعيشة للشخص الواحد، بالقيمة الحقيقية، بشكل ملحوظ لجميع الفئات الاجتماعية، وشهدت الأسر الأقل ثراءً أكبر المكاسب النسبية، حيث ارتفع متوسط مستوى معيشتها بنحو 3.9% سنويًا خلال هذه الفترة، مقابل 2.8% سنويًا لـ20% الأكثر ثراءً، وساهم هذا التعافي الجزئي للأسر المتواضعة في تضييق الفجوة بين طرفي سلم الدخل، كما انخفض المؤشر “جيني” الوطني من 39.5% في عام 2014 إلى 38.5% في عام 2019، مما يعكس انخفاضًا إضافيًا في الفوارق.

وفي الوقت نفسه، انخفضت حصة نفقات 20% الأكثر ثراءً من 47% في عام 2014 إلى 46.2% في عام 2019، بينما ارتفعت حصة 20% الأقل ثراءً بشكل طفيف، من 6.7% إلى 7.0%، كما تقلصت النسبة بين العُشيرين (10% الأكثر ثراءً مقابل 10% الأقل ثراءً)، من 11.8 مرة إلى 10.8 مرة بين عامي 2014 و2019، لتصل بذلك إلى أدنى مستوى لها في هذين العقدين.

وشمل هذا التحسن المدن والقرى على حد سواء، ففي الوسط الحضري، انخفض مؤشر “جيني” إلى 37.9% في عام 2019، مقابل 38.8% في عام 2014. وفي الوسط القروي، وصل إلى 30.2% في عام 2019، مقابل 31.7% قبل خمس سنوات.

وأشارت المندوبية إلى أنه “على الرغم من أن الفوارق لا تزال هيكليًا أعلى في المناطق الحضرية، إلا أن الفجوة بين الوسطين قد تقلصت بشكل طفيف خلال هذه المرحلة”، علاوة على ذلك، تراجعت الفوارق في الإنفاق على الغذاء بشكل ملحوظ خلال هذه الفترة فقد انخفض مؤشر تركيز الإنفاق على الغذاء من 27.8% إلى 24.2% بين عامي 2014 و2019، ويشير هذا التقدم إلى تحسن في وصول الأسر الأكثر تواضعًا إلى السلع الأساسية، مما يساهم بشكل كبير في انخفاض الفوارق الإجمالية في عام 2019.

عودة تفاقم الفوارق تحت تأثير الأزمات بين 2019 و2022

سجلت المندوبية السامية للتخطيط أن الاتجاه انعكس بشكل مفاجئ في الفترة الأخيرة بسبب الصدمات المتتالية، فقد كان للتداعيات الكبرى لجائحة كوفيد-19، إلى جانب التضخم المرتفع ونوبات الجفاف المتكررة، تأثير سلبي على الرفاه الاجتماعي والاقتصادي للأسر، مما أدى إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية والمجالية.

وبين عامي 2019 و2022، انخفض متوسط مستوى المعيشة لأول مرة منذ سنوات، وكان هذا التدهور أكثر وضوحًا بشكل ملحوظ بالنسبة للفئات الأكثر ضعفًا، ففي حين سجلت الفئة 20% الأكثر ثراءً انخفاضًا سنويًا متوسطًا قدره 1.7% فقط في مستوى معيشتها خلال هذه الفترة، عانت الفئة 20% الأقل ثراءً من انخفاض أكثر حدة، بنسبة 4.6% سنويًا.

كما تأثرت الطبقات المتوسطة بشدة، حيث انخفض مستوى معيشتها بنسبة 4.3% سنويًا، وقد أثرت هذه التراجعات على البلاد بأكملها، ولكنها كانت أكثر حدة في المناطق القروية، حيث كان انكماش مستوى المعيشة أقوى منه في المناطق الحضرية، سواء بالنسبة للأسر الثرية أو المتواضعة.

ونتيجة لذلك، يضيف المصدر ذاته، اتسعت فوارق مستوى المعيشة مرة أخرى، مما محا مكاسب السنوات السابقة، فقد استحوذ النصف الأكثر ثراءً من السكان على 76.1% من إجمالي الإنفاق في عام 2022، بزيادة عن عام 2019 (75.1%)، وبالمثل، ارتفعت حصة 20% الأكثر ثراءً في الاستهلاك الوطني إلى 48.1% في عام 2022، بينما انخفضت حصة 20% الأقل ثراءً إلى 6.7%، واتسع متوسط الفجوة في مستوى المعيشة بين هاتين المجموعتين المتطرفتين ليصل إلى 7.1 مرة في عام 2022، بعد أن كان قد انخفض إلى 6.2 في عام 2019.

وأبرز المصدر ذاته أنه “في هذه الدينامية القاتمة، شهد مؤشر “جيني” ارتفاعا حادا، حيث انتقل من 38.5% في عام 2019 إلى 40.5% في عام 2022″ ويعيد هذا المستوى، حسب المندوبية، المؤشر تقريبًا إلى مستواه في بداية سنوات 2000، حيث كانت قيمة مؤشر جيني في عام 2001 تبلغ 40.6%، فيما كان التدهور ملحوظًا بشكل خاص في المناطق الحضرية، حيث قفز مؤشر جيني إلى 40% في عام 2022 مقابل 37.9% في عام 2019، وفي المناطق القروية، زادت الفوارق أيضًا، حيث بلغ مؤشر جيني 31.1% في عام 2022، مقابل 30.2% في عام 2019.

ويرتبط هذا التفاقم الأخير في الفوارق ارتباطا وثيقا بزيادة التفاوتات في الإنفاق على الغذاء، فبفعل الأزمة، ارتفع مؤشر تركيز الإنفاق على الغذاء بشكل حاد إلى 31.7% في عام 2022، بعد أن كان قد انخفض إلى 24.2% في عام 2019، حيث أصبح توزيع الإنفاق المخصص للغذاء أكثر تفاوتًا بكثير، مما يعكس حقيقة أن الأسر المتواضعة اضطرت إلى تقليص استهلاكها الأساسي بشكل أكبر مقارنة بالأسر الثرية، حسب المندوبية.

وعلى العكس من ذلك، انخفضت الفوارق المتعلقة بالإنفاق غير الغذائي بشكل طفيف خلال هذه الفترة، حيث انخفض مؤشر التركيز من 46.7% في عام 2019 إلى 45.9% في عام 2022، وبذلك، زادت مساهمة فوارق الإنفاق على الغذاء في إجمالي الفوارق، لتمثل حوالي 30% من إجمالي الفوارق في عام 2022، مقابل 26% في عام 2014.

وخلصت المندوبية السامية للتخطيط إلى أنه “بعد انخفاض تدريجي ولكن حقيقي في فوارق مستوى المعيشة حتى عام 2019، شهد المغرب انعكاسًا ألغى هذا التقدم”، وتكشف مؤشرات عام 2022 عن عودة الفوارق إلى مستوى مماثل لمستواها في بداية سنوات 2000، مما يؤكد هشاشة التقدم المحرز في مواجهة الصدمات الصحية والاقتصادية، حسب تعبير التقرير.