انتقد أستاذ الجغرافيا السياسية وتقييم السياسات العمومية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، مصطفى يحياوي، ما وصفها، بـ”غياب الإرادة السياسية لتحقيق التنمية الترابية والعدالة المجالية”، داعيا لتفعيل اللاتمركز الإداري ومقتضيات النموذج التنموي.
وتعليقا على ما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش الذي دعا لاعتماد جيل جدديد من البرامج التنموية، قال يحياوي، خلال حلوله ضيفا على برنامج “نبض العمق”: “الملك حين يقيم الأداء الحكومي يستند إلى وثيقة مرجعية هي النموذج التنموي الجديد، كما سبق له أن استند، في بداية العشرية الأولى وإلى حدود سنة 2015 تقريباً، إلى وثيقة “خمسين سنة من التنمية البشرية”، بمعنى أن الملك يقول، أين وصلنا بالمقارنة مع ما تم الاتفاق عليه في النموذج التنموي الجديد”.
ويرى يحياوي أن “الحكومة باشرت مجموعة من الأوراش وخاصة إصلاح نظام الدعم ونظام الحماية الاجتماعية وتثمين ورش بالرأسمال البشري، حيث يظهر أن الإصلاحات التي باشرتها الحكومة بدأت تعطي حصيلة، وفق تعبيره، أما ما لم يُنجَز بعد، حسب الأستاذ الجامعي، فهو التنمية الترابية أي المحور الخامس في مرتكزات النموذج التنموي الجديد المتعلق بالتنمية البشرية والترابية.
وأقر المتحدث ذاته بوجود إشكال في المغرب متعلق بالإصلاحات التي أطلقت في مجال اللاتركيز واللاتمركز الإداري التي ما زالت تواجه صعوبات، وفق تعبيره، وقال بهذا الخصوص: “المشكل يكمن في أننا لم نتمكن بعد من دفع التخطيط الاستراتيجي الترابي للجماعات الترابية إلى أقصى مداه في إنتاج التنمية. فهناك نقص في الموارد، وأيضاً في الإرادة السياسية لدى المركز من أجل العمل على الالتقائية بين البرامج والسياسات العمومية من جهة، وبرامج الجماعات الترابية من جهة أخرى”.
من جهة ثانية، وفي تعليقه على المذكرة الأخيرة للمندوبية السامية للتخطيط التي تحدثت عن تراجع معدلات الفقر وأن قرابة خمسة ملايين مغربي مهدَّدون بالوقوع فيما سمته “الفقر الاقتصادي”، قال اليحياوي: “هذا الموضوع مرتبط بالعجز المزمن في مجال إنتاج التنمية من خلال التخطيط الاستراتيجي الترابي، فلا يمكن تحقيق تنمية اجتماعية وترابية انطلاقاً فقط من توجهات السياسات العمومية المركزية، ولا بد من وجود التقاء وتكامل وهذه الالتقائية لا أفق لها حالياً لأن الهندسة التي بُني عليها إصلاح القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، وكذلك إصلاح نظام اللاتمركز، لم تُعطِ الفعالية الكافية التي تمكّن من إنتاج التنمية بمعدلات تسمح بتدارك ما يسمى بالعجز البنيوي المزمن في مجال العدالة المجالية”.
وأضاف: “إذا تابعنا الخطابات الملكية منذ سنة 2013 و2014، سنلاحظ أننا بدأنا آنذاك نتحدث عن “العدالة المجالية”، وهذه العدالة مفهوم جوهري، كما أن الدينامية الحالية المرتبطة بالاستعدادات لاحتضان كأس العالم متعلقة بالأساس بالمدن التي ستحتضن المباريات ولو عدنا إلى البرامج التي أطلقها الملك ما بين 2004 و2007، مثل برامج التأهيل الحضري، سنجد أن بعض الأوراش التي استثمرت فيها الدولة، خاصة في الدار البيضاء والرباط والمحمدية، أعيدت الاستثمارات فيها أكثر من مرة”.
وقدم المتحدث ذاته المثال بمدينة الدار البيضاء بالقول: إذا زرت هذه المدينة ستجد أن بعض الجسور أو الإنارة العمومية أُعيد تجديدها مرتين أو ثلاث مرات في ظرف عشر سنوات، وهذا يعكس وجود خلل في ترشيد النفقات ولو وُجهت هذه الموارد بشكل عقلاني، لكان بالإمكان احتواء العجز القائم، خاصة في ظل التفاوتات المجالية بين الشريط الأطلسي والمناطق الداخلية، والدليل أن كل المؤشرات التي تصدرها المندوبية السامية للتخطيط تؤكد أن حوالي 70% من الثروة الوطنية متمركزة في الشريط الأطلسي”.
وتابع: “لا يمكن تحقيق التنمية الترابية والعدالة المجالية فقط من خلال المبادرات المعزولة عن السياسات العمومية، بمعنى أن بعض البرامج النموذجية القائمة الآن قد تكرّس هشاشة فئة من المواطنين، والمغرب يعاني من مسألة العقلنة أولا والإرادة السياسية ثانيا التي تظل غير كافية لكي نصل إلى المناطق الجبلية ونحسم في حقوق ساكنتها أو في المسارات التنموية، كما هو الحال مثلاً في جهة درعة تافيلالت أو إقليم أزيلال وغيرها من المناطق التي ينبغي أن نحسم فيها: هل العائد المطلوب هو استثماري أم تنموي؟ لأنه إذا تم احتساب العائد بمنطق الربح فلن يكون هناك أي مردودية تذكر، لكن إذا اعتبرنا العائد من زاوية التنمية، فأنا أرى أن من حقهم أن يستفيدوا من التنمية”.
واستطرد قائلا: “إذا ربطنا الأمر بالانتخابات، فسيتبين لنا أن كلفة المواطن في المدن الكبرى تصبح أعلى بعد الانتخابات من كلفة المواطن الذي يشارك فعلياً في الاقتراع، وهذا المواطن القروي والجَبَلي هو بالمناسبة الذي منحنا هذه الخريطة الانتخابية ورفع نسبة المشاركة في انتخابات 2021، بل ساهم في استقرار هذه النسبة التي لو تراجعت لكانت في حدود 37% خلال العشرين أو الخمس والعشرين سنة الأخيرة.
وخلص يحياوي إلى وجود مشكل حقيقي يتمثل في الإرادة السياسية، مضيفا: “لدينا أطروحة نخبوية في مقاربة التنمية الترابية، وهو طرح غير قابل للاستمرار، ولعل الملك قد أعاد التأكيد على ذلك في خطابه، لأن خطابات الملك هي الإطار المرجعي الذي نقيس به مدى تقدمنا أو تعثرنا، ففي الرسالة الملكية الموجَّهة في يناير 2024 أوضح أن هناك إشكالاً قائماً وهو أن التأطير التشريعي للديمقراطية التشاركية في علاقتها بالديمقراطية التمثيلية يعرف خللاً ووجود فجوة بينهما”.