سياسة

“التسييس” يلاحق الشرطة الإدارية بالبيضاء وتحذيرات من استغلالها في الضغط الانتخابي

عاد موضوع جهاز الشرطة الإدارية ليتصدر واجهة النقاش المحلي بمدينة الدار البيضاء، بعد أن توالت شكاوى منتخبين وأعضاء جماعيين، يتهمون عددا من رؤساء المقاطعات باستغلال هذه المؤسسة الحيوية في تصفية حسابات سياسية ضيقة بدل توظيفها في خدمة الصالح العام.

وأحدثت الشرطة الإدارية في المدن الكبرى كآلية لتعزيز الحكامة المحلية وتسهيل تدبير الشأن العام، عبر مراقبة الأنشطة الاقتصادية والتجارية، وتنظيم الاستغلال المؤقت للملك العمومي، فضلا عن معالجة شكايات المواطنين وتحرير المحاضر المخالفة للقانون.

غير أن عددا من المنتخبين يرون أن هذا الجهاز “فرغ من محتواه الأصلي”، بعدما تحول –بحسب تعبيرهم– إلى “سلاح إداري” في يد بعض الرؤساء الذين يستعملونه لأغراض سياسية وانتخابية ضيقة.

وحسب شهادات محلية، فإن بعض التجار وأصحاب الأنشطة الاقتصادية بالبيضاء أصبحوا يعيشون هاجس المراقبة الانتقائية، حيث يتم استهداف محلات بعينها دون غيرها، وتحرير محاضر توصف بأنها “جاهزة”، ما اعتبره مراقبون نوعا من الانتقام الانتخابي أو “التأديب الإداري” الموجه ضد خصوم سياسيين أو ضد من لا يرضخ للابتزازات.

ويضيف المشتكون أن تقارير الشرطة الإدارية لم تعد حيادية، بل “تفوح منها رائحة التمييز والثأر السياسي”، وهو ما يضرب في العمق مبدأ العدالة والإنصاف بين المواطنين.

وطالب عدد من السياسيين والخبراء في تدبير الشأن المحلي بضرورة إعادة النظر في اختصاصات الشرطة الإدارية، وضمان استقلاليتها التامة عن أي تجاذبات انتخابية، حتى تبقى أداة لتنظيم الحياة اليومية للمواطنين بدل أن تتحول إلى وسيلة للضغط والانتقام.

وشدد على أن استرجاع الثقة في هذه المؤسسة يمر عبر إرساء آليات المراقبة والشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، مع تعزيز تكوين موظفيها وضمان عملهم وفق القانون فقط، بعيداً عن التعليمات الانتقائية.

ويرى متابعون أن ملف الشرطة الإدارية بالدار البيضاء يشكل اختبارا حقيقيا لقدرة المجالس المنتخبة على الفصل بين المصلحة العامة والحسابات السياسية، خاصة في مدينة بحجم العاصمة الاقتصادية التي تُعد القلب النابض للمغرب اقتصاديا واجتماعيا.

وأكد كريم الكلايبي، عضو مجلس جماعة الدار البيضاء، أن جهاز الشرطة الإدارية يشكل إحدى الركائز الجوهرية في منظومة الإدارة المحلية بالعاصمة الاقتصادية، باعتباره آلية تنظيمية أساسية تساهم في ضبط الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وضمان احترام القوانين المحلية، بما ينعكس إيجابا على حياة المواطنين ويعزز ثقة المستثمرين في المدينة.

غير أن الكلايبي شدد، في تصريح لجريدة “العمق”، على أن “هذه الأداة الإدارية، التي يفترض أن تكون في خدمة الصالح العام، أصبحت في بعض الأحيان تستغل سياسيا من طرف بعض رؤساء المقاطعات، حيث تحولت من وسيلة للضبط والتنظيم إلى أداة لتصفية الحسابات السياسية”.

وأوضح أن هذا الانحراف في توظيف السلطة يضر بمصالح الساكنة ويقوض جاذبية المدينة للاستثمار، فضلا عن مساهمته في إضعاف ثقة المواطنين في المؤسسات المنتخبة.

وأشار العضو الجماعي إلى أن عددا من المشاريع العقارية، إلى جانب مدارس ومقاهي ومطاعم، تعرضت في الآونة الأخيرة لمداهمات وصفها بغير المبررة.

واعتبر أن هناك نوعا من التمييز في التعامل مع محاضر الشرطة الإدارية، حيث يتم تجاهل بعض المخالفات المسجلة في محاضر رسمية، في حين يتم التعامل بصرامة وسرعة مع ملفات أخرى، وهو ما يُفسَّر أحيانا بخلفيات انتخابية أو حسابات شخصية.

ولم يقف الكلايبي عند هذا الحد، بل تحدث أيضا عن ما وصفه بـ”المحاباة والمحسوبية” في التعيينات داخل سلك الشرطة الإدارية، حيث تم، “توظيف موظفين موالين لبعض رؤساء المقاطعات، تربطهم بهم علاقات شخصية أو ولاءات سياسية”.

وأضاف أن بعض التعيينات شملت أشخاصا “من سلالم إدارية دنيا ومن دون كفاءة أو خبرة تؤهلهم لتولي هذه المهام الحساسة، الأمر الذي يضعف من مردودية الجهاز ويفتح الباب أمام تجاوزات متعددة”؟

وفي السياق ذاته، أكد الكلايبي أن تقاعس الشرطة الإدارية عن القيام بواجبها وفق ما يفرضه القانون تسبب في صدور أحكام قضائية ضد جماعة الدار البيضاء، وهو ما كبد ميزانية المجلس الجماعي خسائر مالية مهمة كان من الممكن تفاديها لو تم التعامل بالجدية والحياد المطلوبين، بحسب تعبيره.

ونوه المتحدث ذاته بالمجهودات التي يبذلها والي جهة الدار البيضاء-سطات والعمال في متابعة هذا الملف، كما خص بالذكر نفيسة رمحان، نائبة عمدة الدار البيضاء المفوض لها قطاع الشرطة الإدارية، إضافة إلى شركة “الدار البيضاء للخدمات”، مشيدا بما وصفه بـ”التزامهم الراسخ بالمصلحة العامة”.

وأكد أن جهود هذه الأطراف ساهمت بشكل كبير في الحد من بعض مظاهر الشطط في استعمال سلطة الشرطة الإدارية، ووفرت أرضية أفضل لقيام هذا الجهاز بأدواره الحقيقية بعيداً عن أي استغلال سياسي أو انتخابي.