وجهة نظر

أزمة التمثيل الديمقراطي في المشهد السياسي العام

دوما كنا نردد، ولا زلنا نؤكد، على أن الانتخابات التشريعية في المغرب، رغم تأطيرها بمؤسسات حزبية، تبقى رهينة منطقق آخر: منطق الأشخاص. فدور الأحزاب، وإن بدا قانونيا وتنظيمياا، يظل في كثير من الأحيان ثانويا، لا يتجاوز حدود الترخيص والتزكية. أما الفاعل الحقيقي في العملية الانتخابية، فهو الفرد، الفرد بشخصه، بعلاقاته، بقدرته على التواصل، لا بانتمائه الحزبي أو برنامجه السياسي.

كم من شخصية غيرت انتماءها الحزبي دون أن يؤثر ذلك على حظوظها في دخول قبة البرلمان؟ وكم من مرشح نجح فقط لأنه “يعرف الناس”، لا لأنه يحمل مشروعا؟ هذه التحولات تكشف عن خلل بنيوي في ثقافة التصويت، حيث يغيب التقييم الموضوعي للبرامج، ويحل محله الولاء الشخصي أو المصلحة الآنية.

إن نفور الفئة الواعية ولو بشكل غير مطلق، نفور من المشاركة في الانتخابات، لأسباب موضوعية وغير موضوعية، يعممق هذا الخلل. فحين يغيب الناخب النقدي، يفتح المجال لمن يصووت بدافع القرابة أو الخدمات، لا بدافع القناعة أو الرؤية. وهكذا، تتحول الانتخابات إلى سباق علاقات، لا إلى تنافس أفكار.

أما البرامج الانتخابية، فغالبا ما تأتي متشابهة، أو مستحيلة التحقيق، أو مزيفة في جوهرها إن لم نقل كينونتها. وعود تتكتب لتنسى، تتعلن لتستهلك، لا لتتنفذ. في ظل هذا الواقع، تصبح الديمقراطية شكلا بلا مضمون، ممارسة بلا روح، وطقسسا انتخابييا لا يفرز تمثيلا حقيقيا وكفى.

لذا، فإن ديمقراطيتنا تحتاج إلى مراجعة جذرية. مراجعة لا تقتصر على القوانين أو الآليات، بل تمتد إلى الثقافة السياسية، إلى علاقة المواطن بالحزب، إلى معنى التمثيل نفسه. نحتاج إلى إعادة الاعتبار للفكرة، للمشروع، للالتزام، بعيددا عن الشخصنة والانتهازية.

فهل يمكن أن نعيد بناء الثقة؟ هل يمكن أن ننتقل من “من يصووت لي؟ إلى “لمن أصوت؟ ولماذا؟

إنها أسئلة جوهرية، لا بد أن سماعها، من الإنصات لها، إن أردنا لديمقراطيتنا أن تكون فعلا، لا مجرد واجهة، ديمقراطية التعقل، والابتعاد عن الشعبوية والتسرع الذي قد يهلك من لا عقل له!

أعتذر عن الإزعاج، لكن وبكل تأكيد أحبك يا وطني.