مجتمع

الشاكيري ليست أولاهم.. “العمق” ترصد قصص مسؤولين أعيد تعيينهم بعد إعفائهم

لم يمر التوتر الذي يشهده قطاع الصحة بمدينة أكادير مرور الكرام، بل أسفر عن زلزال إداري أطلقه وزير الصحة والحماية الاجتماعية أمين التهراوي في زيارة قصيرة إلى المدينة، فهدم ركائز إدارة الصحة العمومية بجهة سوس ماسة، وأطاح بمسؤولين عدة على رأسهم المديرة الجهوية لمياء الشاكيري التي لها سوابق في تسلم قرارات إعفاء من مسؤوليات مشابهة.

في هذا التقرير، تتبع جريدة “العمق” قصص مسؤولين سبق لوزارة الصحة إعفاءهم ثم إعادة تعيينهم، ومنهم من اضطرت إلى إعفائه من المسؤولية مرة أخرى.

الشاكيري الاحتقان يسقطها من الكرسي في مراكش وأكادير

لمياء الشاكيري التي تم تعيينها منتصف غشت 2022 مديرة جهوية للصحة بسوس ماسة، تعد واحدة من الأسماء الشهيرة في التكريم بالتعيين بعد الإعفاء، حيث أنها حملت أمتعتها من المديرية الجهوية للصحة بجهة مراكش آسفي عقب قرار بالإعفاء صدر قبل أقل من أسبوعين اثنين من التعيين الجديد.

بل إن المثير في قصة تعيين الشاكيري على رأس الصحة العمومية بجهة سوس ماسة، هو أنه القرار وقعه الوزير السابق خالد آيت الطالب عقب أسبوعين فقط من توقيعه قرار تعيين سليمة صعصع في المنصب ذاته، بعد أن انتقلت من إدارة الصحة العمومية بجهة الداخلة وادي الذهب إلى المنصب ذاته في جهة سوس ماسة.

إعفاء الشاكيري من مهامها بجهة مراكش آسفي كان بسبب الاختلالات الفادحة في تدبير ملفات جائحة كوفيد19 والتي أصبحت يومها “فضيحة” ذات صيت دولي، وأطلقت إثرها حملات رقمية شديدة الانتقاد تحت وسم #مراكش_تختنق، غير أنها بعد أسبوعين فقط تسلمت مفاتيح المديرية الجهوية بسوس ماسة ليتم نقل سليمة صعصع مرة أخرى إلى فاس مكناس حيث مازالت تمارس مهامها إلى اليوم.

ويذكر أن موضوع إعفاء الشاكيري من مهامها رافقه كثير من الغموض، حيث تم تسريب الخبر إلى الصحافة مع تعيين المدير الإقليمي للصحة بآسفي عبد الحكيم مستعد مديرا جهويا بالنيابة بجهة مراكش آسفي، غير أنه سريعا ما تم تداول أخبار أخرى بتدخلات حالت دون تنفيذ قرار الإعفاء في ظل صمت الوزارة عن الملف.

غير أن الشاكيري لم تصمد أمام الزلزال الذي ضرب المنظومة الصحية بمدينة أكادير، وتقرر رسميا إعفاءها من مهامها بعد احتجاجات المواطنين وتحول ملف الوضع الصحي بعاصمة سوس إلى قضية رأي عام وطنية.

إعفاء قدار غير المؤكد في أكادير تأكد في بني ملال

المنصب ذاته بجهة سوس ماسة كان موضوع جد كبير منذ أعوام خلت، حيث سبقت أحداث كثيرة تعيين صعصع ثم الشاكيري فيه، فكان الوضع الصحي بمدينة أكادير موسوما بالاحتقان، وفي الوقت الذي شكل خبر تعيين مسؤول جديد استفهام عن مصير المسؤول السابق رشدي قدار، تم بعد أيام إعلان انتقاله إلى جهة بني ملال خنيفرة.

لكن مكوث رشدي قدار بني ملال لم يدم طويلا، حيث أنه انتقاله إليها مطلع غشت 2018 لحقه مغادرتها متم شتنبر من السنة ذاتها، أي بعد أقل من شهرين من توليه المهام، بل وحتى قبل شروعه في مهامه وسط اتهامات له برفض الانتقال إلى بني ملال في انتظار شغور السكن الوظيفي الذي يستفيد منه المدير السابق المحال على التقاعد والذي يعطيه القانون أجل 6 أشهر لإفراغه، فيما دافع عنه متتبعون واعتبروا أن المدة التي بقي فيها على رأس المديرية الجهوية لا تكفي لاتخاذ قرار بالإعفاء.

وكانت مصادر خاصة بجريدة “العمق” قالت يومها، إن قرار اعفاء رشدي قدار كان مفاجئا للجميع، خصوصا أن المعفى في اليوم الذي سبق إصدار القرار، أول اجتماع له مع موظفي المديرية، وذلك منذ التحاقه بالمديرية.

واستبعدت مصادر الجريدة أن يكون سبب إعفائه مهنيا لأنه حديث التعيين، وقد باشر عمله مؤخرا بعد أن استفاد من عطلته السنوية، مرجحة أن يكون ما وصف بـ”سوء التواصل” سببا وراء إعفاء قدار.

وقالت المصادر إن العديد من الموظفين سجلوا ملاحظات سلبية على طريقة تواصل المدير الجهوي المعفى منذ التحاقه بالمديرية الجهوية.

إخلال الوالي بالتزاماته في الرحامنة يرقى به إلى العيون

قصة أخرى مشابهة سبق أن أثارت حفيظة متتبعي الشأن الصحي بجهة العيون الساقية الحمراء، عندما تم تعيين الحسن الوالي مديرا جهويا للصحة شهر نونبر من عام 2018، وذلك شهورا قليلا بعد إعفائه من مهامه مديرا إقليميا للصحة بالرحامنة.

وكان في القرار الموقع بتاريخ 25 ماي 2018 وحمل توقيع الكاتب العام الأسبق للوزارة هشام نجمي، قد أرجع سبب الإعفاء إلى “الإخلال بالالتزامات الوظيفية”، قبل أن يوقع الكاتب العام ذاته إعلانا بانتقاء المسؤول ذاته لشغل مهمة المدير الجهوي للصحة بجهة العيون الساقية الحمراء وذلك بتاريخ 2 نونبر 2018.

وأثار القرار موجهة غضب عارمة يومها، حيث ذهب بعض المحتجين إلى اتهام الوزير الأسبق أنس الدكالي باعتبار جهة العيون الساقية الحمراء “جهة لنفي المسؤولين المعاقبين”، وصدرت عدة بيانات تنديد منها بيان للنقابة الوطنية للصحة العمومية التي استنكرت “التردي الفظيع الذي أضحى يتخبط فيه قطاع الصحة بسبب الارتجالية والعشوائية في اتخاذ القرارات، وكذا غياب سياسة واضحة المعالم وضبابية المواقف لدى القائمين على الوزارة”.

موجهة الغضب العارمة التي أثارتها “ترقية” مسؤول “أخل بواجباته المهنية” من مندوب إقليمي للصحة إلى مدير جهوية، دفعت الوزير الأسبق أنس الدكالي إلى إلغاء قرار التعيين يومين بعد صدوره.

فشل لطفي في حل أزمة العيون ينتهي بإعفاء في بني ملال

قصة أخرى من الإعفاء المقرون بإعادة التعيين بمراكز المسؤولية بالمؤسسات التابعة لوزارة الصحة، تكررت مع عائشة لطفي التي كان يعول عليها الوزير السابق خالد آيت الطالب لتحل له أزمات متراكمة واحتقانا نقابيا معمرا في مستشفى مولاي الحسن بن المهدي بالعيون، فانتهى بها المطاف أمام قرارين لإنهاء المهام وقعه وزيران مختلفان.

لطفي عينها آيت الطالب مديرة للمركز الاستشفائي الجهوي مولاي الحسن بن المهدي بالعيون، وأرجع اختياره في جواب على سؤال كتابي لنائبة برلمانية بقوله أن التعيين يأتي من أجل “تنسيق المواقف والاستفادة من القوة الاقتراحية للشركاء الاجتماعيين، مع خلق جو من التناغم بين كل الأطر الصحية العاملة”، وذلك بعد 3 سنوات تم خلالها تدبير منصب المدير بالنيابة.

التعيين الذي كان في شهر فبراير 2023، لحقه إعفاء من المهام وقعه الوزير ذاته في نونبر من نفس العام، حيث تم استدعاء المديرة التي كان يعول عليها لإطفاء احتجاج النقابات إلى المصالح المركزية للوزارة، وأرجعت مصادر إعلامية محلية يومها سبب الإعفاء من المسؤولية إلى “سلسلة من الكتابات والمراسلات التي توصلت بها الوزارة عن طريق مفتشيها وكذا مدير الموارد البشرية بوزارة الصحة والحماية الاجتماعية، اللذين كانوا في زيارة تفقدية للمركز الاستشفائي، حيث توصلوا بشكايات النقابات المهنية وكذا جمعيات حقوقية اضافة لعدة مقالات لمؤسسات اعلامية محلية و وطنية، أجمعت في مضمونها على سوء التسيير والتدبير الذي ميز فترة تولي المديرة لمهام إدارة المركز الاستشفائي الجهوي الذي عاش أسوء فتراته”.

وفي الشهر ذاته، قرر آيت الطالب تعيين لطفي مديرة للمركز الاستشفائي الجهوي بني ملال حيث زاولت مهامها إلى مارس 2025، ليقرر خلفه الوزير الحالي إعفاء المديرة بناء على التوتر مع الأطر المشتغلة بالمستشفى وتردي الخدمات الصحية,

القناب الذي قاده إعفاء طنجة إلى الغرق في تسونامي الريف

ومن بين الأسماء التي حظيت بالرضى بعد السخط في وزارة الصحة، المندوب الإقليمي الأسبق للصحة بطنجة حسن القناب الذي أعفي من مهامه إلى جانب مديره الجهوي إثر تنامي التقارير الإعلامية حول الفضائح والخروقات التي شابت الوضع الصحي بالإقليم والجهة، قبل أن يجد نفسه مرة أخرى موضوع الإعفاء من المهام إثر “تسونامي” الإقالات والإعفاءات التي لحقت حراك الريف.

القناب بعد أن تم إعفاؤه من مهامه على رأس مندوبية الصحة بإقليم طنجة، تجدد تعيينه مرة أخرى في المنصب ذاته بإقليم الحسيمة.

لكن الحراك الذي شهد الريف عام 2017 عقب حادثة الشاب محسن فكري وما لحقه من تنامي الاحتجاجات ذات المطالب الاجتماعية، عصفت بعدد من المسؤولين الترابيين، ولم يسلم القناب من الغرق في تسونامي الإعفاءات.