منتدى العمق

على أي أساس ستزكي الأحزاب السياسية مرشحيها لاستحقاقات 2026؟

تدخل الساحة السياسية المغربية خريف 2025 وسط انتظارات متزايدة من المواطنين وضغوط متنامية على الأحزاب في أفق استحقاقات 2026 التي تعد محطة مفصلية في مسار التجربة الديمقراطية.

فغلاء الأسعار وتفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب المشاريع الاستراتيجية الكبرى التي يقودها الملك محمد السادس، كلها عوامل تجعل مسألة تجديد النخب السياسية أكثر إلحاحا من أي وقت مضى.

في هذا السياق، لم يعد اختيار المرشحين شأنا تنظيميا داخليا، بل أضحى مؤشرا على مدى التزام الأحزاب بقيم الشفافية والديمقراطية، فالمواطن المغربي الذي راكم خبرة سياسية منذ دستور 2011، لم يعد يقبل بوجوه تفرضها شبكات المال أو الولاءات الضيقة، بل صار يطالب بمرشحين يجمعون بين النزاهة والكفاءة والقدرة على تمثيله بصدق، ولهذا أصبح السجل النظيف معيارا أساسيا لأن أي اسم ارتبط بالفساد أو العلاقات المشبوهة يفقد شرعيته قبل أن يدخل غمار المنافسة الانتخابية.

لكن النزاهة وحدها لا تكفي، إذ إن المرحلة المقبلة تحتاج إلى كفاءات مؤهلة معرفيا ومتمكنة من أدوات التشريع والتدبير، قادرة على فهم السياسات العمومية والدفاع عن مصالح المواطنين في سياق وطني ودولي معقد، كما يظل شرط القرب من المجتمع أساسيا، فلا مكان اليوم لوجوه معزولة عن هموم الناس بل المطلوب مرشحون خبروا العمل الجمعوي أو النقابي أو المحلي، واستطاعوا أن يكونوا مرآة حقيقية لانشغالات محيطهم.

ومن جهة أخرى، لم يعد تجديد النخب ترفا سياسيا، بل ضرورة حتمية، إذ إن إدماج الشباب والنساء لم يعد مرتبطا بالتمثيل الرمزي بل باعتبارهم قوة فاعلة قادرة على إعادة بناء الثقة وضمان استمرارية الإصلاح.

وفي المقابل يظل الخطر الأكبر الذي يتهدد العملية الانتخابية متمثلا في استمرار العلاقات المشبوهة التي تحيط ببعض المرشحين، فقد بينت الانتخابات السابقة أن حضور المال الفاسد والزبونية جعل الانتخابات في بعض الدوائر أقرب إلى استثمار مربح قصير المدى، بدل أن تكون وسيلة لتجديد النخب السياسية وقد أسفر ذلك عن إعادة إنتاج الفساد السياسي وتغليب منطق الصفقات على المصلحة العامة، وعن ضرب ثقة المواطن في السياسة بما عزز العزوف ورسخ صورة سلبية عن الأحزاب، فضلا عن إضعاف الدولة والمجتمع معا، بعدما اضطرت مؤسسات الرقابة إلى الانشغال بتصحيح الانحرافات بدل مواكبة صناعة السياسات العمومية.

والأدهى أن هذه العلاقات لم تعد محصورة في دوائر محلية، بل امتدت في بعض الحالات إلى لوبيات اقتصادية كبرى، بل وحتى إلى مصالح خارجية، وهو ما يثير أسئلة مقلقة حول الولاء الوطني واستقلالية القرار السياسي للمنتخبين، عند هذه النقطة يصبح الخطر مضاعفا، لأن الأمر لا يتعلق فقط بنزاهة العملية الانتخابية، بل بجوهر السيادة الشعبية وصدقية المؤسسات المنتخبة.

فالنقاش الجاري حول إصلاح القوانين الانتخابية، والذي تشرف عليه وزارة الداخلية بتنسيق مع الأحزاب، يضع هذه الأخيرة أمام امتحان تاريخي: فإما أن تقطع نهائيا مع الممارسات القديمة وتزكي وجوها نزيهة وكفؤة قادرة على تمثيل المواطنين بجدية، وإما أن تواصل إعادة إنتاج نفس الأعطاب، بما يعني تعميق أزمة الوساطة الحزبية والعزلة عن المجتمع.