وجهة نظر

تشويه الفضاء العام

يلاحظ الزائر للمدن للمغربية وخصوصا المدن الكبرى كيف تحولت المرافق العمومية الى لوحات مشوهة من الاعلانات الاشهارية لمجموعة من المؤسسات والمعاهد الخاصة بالتمريض وتدريس اللغات وكذا اعلانات شركات الاتصال، التي لا يهمنها اطلاقا جمالية الفضاء العام ورونقه، بقدرما يهمها فقط كسب زبناء جدد على حساب حرمة الفضاء العام، فهذه الاعلانات الاشهارية العشوائية نجدها بشكل دائم ويومي على الجدران ومداخل العمارات والممرات و حتى على حائط المؤسسات العمومية والأبناك والمقاهي وأعمدة الانارة العمومية والحدائق وعلى واجهات بعض الأبناك والمعاهد الكبرى والجامعات وحتى بعض المساجد والمواقع الأثرية تجد عروض واعلانات في الغالب مكتوبة باللغة الفرنسية، ففي مدينة اقتصادية كبرى مثل الدار البيضاء يكفي أن تقوم بجولة في وسط المدينة ومرافقها العمومية وتجد أثار قديمة لهذه الاعلانات التي تشوه المرفق العام وتعكس صورة سلبية عن المجهودات المبذولة من قبل الجماعة الحضرية في تزين الفضاء العام، والحفاظ على النظافة ومحاربة مظاهر العشوائية، الغريب الأمر هو الطريقة التي تتعاطى بها السلطات المحلية والجماعات الترابية مع فوضى الاعلانات ومع تشويه المرافق والفضاءات العمومية، حيث في الغالب نجدها تترك الأمر على ما هو عليه أو تلجؤ أحيانا الى ازالة تلك الاعلانات بطرق أكثر بدائية، اذ عند ازالتها يصبح المنظر أكثر بشاعة مما كان عليه، حيث تترك تلك الاعلانات أثارا يصعب محوها بسرعة، كما أن تلك الاعلانات وبفعل نوعية لصاق المستعمل فيها تشوه أي مكان توضع فيه، هذه الفوضى لا تشمل فقط الاعلانات الملصقة على الجدران بل تتعدها الى وجود بعض االوحات الاشهارية المتواجدة بشكل عشوائي في ملتقيات الطرق والأزقة و أعمدة الانارة العمومية وفي بعض الأحيان توضع على الرصيف وممرات الراجلين وهذا الحال مستمر لسنوات دون تدخل قانوني للحد من هذه الظاهرة التي تمس برونق الفضاء العام فهذا الواقع ليس فقط نوعا من التشويه بل تخريب متعمد للمرافق العمومية، فعندما يتم تشويه الواجهات الأثرية والمرافق العمومية يتطلب الأمر مزانية اضافية من المال العام لارجاع الوضع على الأقل الى ماكان عليه، الغريب في الأمر أن السلطة الترابية وحتى المشرع لم يضع ضوابط وقوانين تحد من زحف الاعلانات العشوائية المشوهة للمرفق العام.

اذا توقفنا عند مجموعة من البلدان الأوربية بالخصوص نجد أنها تتشدد من الناحية القانونية والزجرية فيما يتعلق بالاعلانات الاشهارية الغير مرخص لها في الفضاءات العامة، والتي من شأنها أن تقدم صورة سلبية أو مشوهة يمس بجمالية المدينة، حيث أن زجر هذه المخالفات في المغرب غائب على الاطلاق، رغم أن مسألة وضع حد لهذه الممارسات الغير مواطنة سهلة وقابلة للتفعيل بشكل قانوني، اذ يكفي أن يقوم رئيس الجماعة الحضرية باعتباره رئيسا للشرطة الادارية محليا باعطاء توجيهاته للمكلفين بزجر المخالفات في المدن بانجاز محاضر ومعاينة للمرافق والفضاءات التي طالها التخريب والتشويه من قبل هذه المؤسسات والمعاهد الخاصة، وترفع دعاوي قضائية بأصحابها مطالبة اياهم بجبرر الضرر الذي لحق بالمرفق العام وتعويض الجماعة عن استغلال الفضاء العام دون وجه حق وتشويه جماليته، وبذلك سيتم وضع حد لمثل هذه الممارسات التي تعتبر عبثا وتجاوزا ماسا بحق المرتفقين والمواطنين في فضاء يليق بانتظاراتهم ويعكس حس المواطنة والاحساس بالواجب الذي يجب أن يسود لدى بعض أصحاب المعاهد والمؤسسات الخاصة.

ان عدم زجر المخالفات المتعلقة بالممارسات التي تشوه الفضاء العام داخل المدن وتمس بجمالية المدن وفق ما جاء به دليل الشرطة الادارية، الذي يحدد صلاحيات التدخل، يجعل من الفضاء العام ومرافقه فضاءا مباحا لمجموعة من الممارسات التي لا ترقى بثقافة المواطنة والسلوك المدني، كما أنه يجعل الفاعليين المدنين والمهتمين بالشأن العام يطرحون مجموعة من الأسئلة والفرضية حول درجة وعي المنتخبين وغيرتهم على الرونق وجمالية المدينة وحرصهم على حفظ الممتلكات العامة.