في زقاق معتم على حافة الصحراء، كان الناس يتدافعون أمام شاشة مثقوبة تعرض فيلما بعنوان: «Le Doux murmure du vent après l’orage»، من إخراج عبد الكريم محمد درقاوي.
الفيلم كان يفترض أن يحكي عن الحب بعد المطر، لكن الريح في الجنوب تعرف كيف تحوّل كل همسة إلى صفعة، وكل مطر إلى فيضان من الغبار…..
في ساحة العرض، جلس يميني محافظ بجانب يساري قاعدي، وفي الوسط تائه حمضيّ يبحث عن قاعدة يتوازن عليها، الجميع يصرخ: “أنا مع الوطن، لكن بشرط أن يكون الوطن معي!”، ثم يمدّون أيديهم نحو السلاح، لا لشيء إلا لأن السلاح صار بطاقة هوية أكثر من بطاقة التعريف الوطنية.
لم يكن ثمة فرق بينهم: المحافظ يلبس جلابية مكويّة، واليساري يرتدي قميصًا مهترئًا، والحمضي يشرب الشاي بالنعناع ويقول إن الثورة تبدأ من المعدة، أما المتحرر، فقد دخل الساحة بقبعة كبيرة، وحين سألوه: “مع من أنت؟” أجاب بابتسامة صفراء: “أنا مع الريح… فهي وحدها لا تُحاسب…….”
ضحك الجميع، ثم صمتوا دفعة واحدة حين دوّى في الفيلم صوت المخرج: “الخاسر الوحيد هو الإنسانية… والسلم…….”
لكن الإنسانية لم تحضر العرض، كانت مشغولة تبحث عن رغيف خبز في السوق السوداء، والسلم كان معلقًا على جدار ذوي النوايا الحسنة، يستعملونه للصعود إلى سطح المبنى.
وفي النهاية، حين انطفأت الشاشة، لم يخرج أحد، بقوا جميعًا هناك، كأن الفيلم لم ينته، أو كأن حياتهم صارت مجرد مشهد طويل من كوميديا الصحراء، بلا موسيقى ختامية، بلا تصفيق… سوى همس الريح بعد العاصفة…..