سياسة

تقرير يكشف هيمنة المال والزبونية على مسارات الترقي داخل الأحزاب المغربية

كشف تقرير حديث صادر عن المركز المغربي للمواطنة عن أزمة عميقة تعيشها الأحزاب السياسية في المغرب، حيث تهيمن اعتبارات المال والزبونية على مسارات الترقي الحزبي، بينما تتراجع معايير الكفاءة والنضال السياسي إلى مراتب ثانوية.

وأشار التقرير إلى أن 64.3 في المئة من المشاركين يعتبرون أن المال هو المفتاح الأهم للصعود داخل الأحزاب السياسية، تليه العلاقات الشخصية والقرابة والزبونية بنسبة 60.8 في المئة، ثم الولاء والتملق للقيادة الحزبية بنسبة 57.4 في المئة. في المقابل، لم يعتبر سوى 28.5 في المئة الكفاءة والخبرة التنظيمية معيارا أساسيا، فيما رأى 25.9 في المئة أن الحضور والتواصل الشعبي من العوامل المؤثرة، بينما لم تتجاوز نسبة من رأوا في الاعتماد القبلي أو الجهوي والنضال الحزبي والتدرج الداخلي عوامل للصعود 18 في المئة.

وفي ما يتعلق بدوافع التصويت، أوضح التقرير أن المقابل المالي يحتل المرتبة الأولى بنسبة 77.7 في المئة، يليه الانتماء القبلي أو الجهوي بنسبة 55.4 في المئة، بينما جاءت توجيهات الأسرة والمحيط الاجتماعي في المرتبة الثالثة بنسبة 37.8 في المئة. واعتبر 26 في المئة أن قرب المرشح من المواطنين عامل مؤثر، إلى جانب سمعة ونزاهة المرشح، والمرجعية الدينية، والانتماء الحزبي، وقوة الحملة الانتخابية، بالإضافة إلى البرنامج الانتخابي والمرجعية الإيديولوجية للمرشح.

أما فيما يخص أهداف السياسيين من الترشح، فقد أكد التقرير أن 92 في المئة من المستجوبين يرون أن تحقيق مصالح مادية أو امتيازات شخصية هو السبب الرئيسي، يليه السعي وراء السلطة والنفوذ بنسبة 91.5 في المئة، ثم ضمان الحصانة أو الحماية بنسبة 75.1 في المئة. في المقابل، لم ير سوى 9.4 في المئة أن التمثيل القبلي يمثل دافعا رئيسيا، بينما اعتبر 7.3 في المئة أن تعزيز حضور الحزب في المؤسسات يشكل عاملا محفزا، وحصلت خدمة المواطنين والصالح العام على نسبة 6.4 في المئة، في حين لم تتجاوز نسبة من ربطوا الترشح بالإيمان بمشروع مجتمعي 4.3 في المئة.

وبيّن التقرير أن 83.3 في المئة من المستجوبين يعتبرون أن تضارب المصالح واستغلال النفوذ هو السبب الرئيس في فقدان الثقة بالأحزاب، يليه الفساد المالي أو الإداري واستغلال المال العام للمصالح الخاصة. كما أشار 59.6 في المئة إلى أن الوعود الكاذبة والتسويق الإعلامي المخادع تساهمان في هذا التراجع، فيما رأى 45.7 في المئة أن الحملات الانتخابية والانشغال بالمصالح الشخصية بدل المصلحة العامة عوامل إضافية. وتطرق المشاركون أيضا إلى تغيير الخطاب بعد الوصول إلى السلطة، والتهرب من المساءلة وعدم تحمل المسؤولية، والتعالي أو تجاهل المواطنين، بالإضافة إلى الغياب المتكرر عن البرلمان أو المجالس، والتخاطب التحقيري أو غير اللائق مع المواطنين.

وأضاف التقرير أن عددا من المشاركين شددوا، في ما يتعلق بسبل استرجاع الثقة، على ضرورة تفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ووضع حد لاستخدام المال في شراء الأصوات، إلى جانب تشديد شروط الترشح للمناصب الانتخابية، والوفاء بالبرامج والوعود. كما أكدوا على أهمية تحديد عدد ولايات قيادات الأحزاب، وربط التزكيات بالاستحقاق والنزاهة، واعتماد الشفافية في التسيير والتمويل، مع الانفتاح على الشباب والنساء والكفاءات. ودعوا أيضا إلى توسيع شروط التمويل العمومي وربطه بالشفافية، وتحيين القوانين الانتخابية لضمان النزاهة وتعزيز الثقة.

وأوضح التقرير أن تجاوز هذه الأزمة لا يمكن أن يتم بإرادة داخلية للأحزاب فقط، بل يتطلب إصلاحات عملية متعددة المستويات، تشمل الجوانب التشريعية والتنظيمية والمؤسساتية، لإعادة الاعتبار للعمل الحزبي وضمان فعالية التعددية السياسية.

ويشدد التقرير على أن المدخل الأساسي يكمن في إصلاح الإطار القانوني والتنظيمي، عبر تحديد مدة ولايات القيادات الحزبية، وإصلاح نظام التزكيات، ومراجعة القوانين الانتخابية، وإعادة النظر في نظام العتبة، إلى جانب تعزيز النزاهة ومحاربة الريع السياسي، من خلال فرض آليات صارمة لمراقبة تمويل الحملات الانتخابية وضبط مصادر الأموال، وتجريب الانتخاب المباشر. كما دعا إلى توسيع المشاركة والانفتاح المجتمعي، وإعادة بناء الثقة عبر الحكامة الداخلية، مؤكدا في الوقت ذاته على أن المواطن يتحمل بدوره جزءا من المسؤولية في إنجاح ورش الإصلاح.

وخلص التقرير إلى أن هذه الإصلاحات ليست مجرد تعديلات تقنية، بل تمثل خريطة طريق شاملة لإعادة بناء الثقة بين المواطن والأحزاب، وتحويل الأزمة الحالية إلى فرصة لترسيخ ديمقراطية أكثر مصداقية وفعالية في المغرب.