أثار الحديث عن احتمال فرض استهلاك إضافي بالمقاهي بعد مدة زمنية معينة موجة رفض واستياء واسع في أوساط ساكنة مدينة أزمور، حيث عبّر عدد من المواطنين والمهنيين عن رفضهم لهذا التوجه، واصفين إياه بغير العادل والمخالف لواقع المدينة الاقتصادي والاجتماعي، في حين اعتبره حقوقيون خرقا سافرا للقانون وضربا لحقوق المستهلك.
وفي تصريح لجريدة “العمق المغربي”، قال أحد المواطنين من أزمور إن “فرض استهلاك مشروب ثان بعد ساعة أو ساعتين أمر غير معقول في مدينة كأزمور”، مبرزا أن “الإمكانيات محدودة والمستوى المعيشي ضعيف، والمقاهي تعتبر المتنفس الوحيد لغالبية المواطنين، وليس منطقيا أن يُفرض عليهم ما لا طاقة لهم به”.
وأضاف أن مثل هذا الإجراء قد يكون قابلا للتطبيق في المدن السياحية الكبرى مثل مراكش أو أكادير أو الدار البيضاء، حيث القدرة الشرائية مرتفعة نسبيا، لكن لا يمكن إسقاطه على مدن صغيرة ذات بنية اقتصادية محدودة وساكنة بسيطة تعتمد على المقاهي كمجال للترويح وتبادل الحديث.
من جانبه، أكد عبد العزيز بينا، وهو عامل بمقهى محلي، أن التجربة الميدانية توضح بجلاء صعوبة فرض هذا النوع من الشروط، مشيرا إلى أن الزبناء في أزمور أغلبهم من العاطلين أو من محدودي الدخل، وبعضهم لا يستطيع حتى دفع ثمن قهوة واحدة، مضيفا: “حتى وإن كانت أسعار المواد الأولية قد تضاعفت، لم نرفع الأسعار، لأن الزبون لا يتحمل الزيادة”.
وشدد بينا على أن المقاهي الشعبية ليست فقط فضاء لاستهلاك القهوة، بل هي متنفس اجتماعي لفئات تعتمد عليها كمصدر دخل غير مباشر، كالباعة والوسطاء، ومكان لمشاهدة مباريات كرة القدم التي تمتد لساعتين أحيانا، ولا يعقل فرض استهلاك جديد خلال هذه المدة.
وأكد أن العلاقة بين الزبون والمقهى ليست علاقة تجارية محضة، بل تتجاوز ذلك إلى علاقات إنسانية واجتماعية، مضيفا: “زبناؤنا ليسوا فقط زبناء، بل إخوة وأصدقاء، والمقهى فضاء شعبي مبني على الثقة والعشرة”.
بدوره، اعتبر عبد الكريم غماش أن فرض استهلاك إضافي قد يكون مقبولا في المدن السياحية الكبرى، حيث الزبائن عابرون، لكن الأمر يختلف في مدن كأزمور، حيث الزبون دائم طيلة السنة، وله علاقة مستمرة مع المكان.
وأشار إلى أن القانون المغربي لا يمنع صاحب المقهى من تطبيق هذا النظام، لكنه لا يمنحه صلاحية مطلقة، ويشترط إعلام الزبون مسبقا بهذا الشرط، عبر إدراجه في قائمة الأسعار أو وضعه في لافتة واضحة، وإلا أصبح شرطا تعسفيا فاقدا لأي أثر قانوني.
في السياق ذاته، اعتبر عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان، أن ما تقوم به بعض المقاهي من فرض استهلاك إضافي هو انتهاك صريح للقانون ولمبادئ حقوق المستهلك، حيث أن القانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك ينص على احترام حرية الزبون في التعاقد، ويمنع أي شرط لم يتم الاتفاق عليه مسبقا.
وأوضح الخضري أن الفصل 18 من هذا القانون ينص على بطلان أي شرط تعسفي لم يتم التفاوض حوله أو إعلام المستهلك به، مضيفا أن فرض مشروب ثان على الزبون يدخل ضمن ما يسمى بـ”البيع المفروض”، وهو محظور قانونا، لأنه يقيد حرية الاختيار، ويحول العلاقة التعاقدية إلى علاقة إكراه.
وأكد أن الزبون بمجرد أدائه ثمن ما طلبه، يحق له الجلوس والاستفادة من الخدمة، طالما لم يخل بالنظام العام أو أزعج الآخرين، وأن فرض استهلاك إضافي دون رضاه هو مس بحقوقه الأساسية وكرامته، مطالبا بتدخل المجالس المنتخبة والسلطات المحلية والجمعيات لحماية المستهلك وردع المخالفين.
من جهته، أشار بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة الوطنية لحماية المستهلك، إلى أن بعض مدن الشمال بدأت تعرف ظهور هذا النوع من الممارسات، التي تستلهمها بعض المقاهي من النموذج الأوروبي، وخاصة في المناطق السياحية بباريس، حيث يتم تحديد مدة الجلوس لتفادي احتلال الطاولات لفترة طويلة.
وأوضح أن القانون المغربي لا يمنح أي ترخيص لصاحب المقهى لإجبار الزبون على مغادرة المكان أو استهلاك إضافي طالما دفع ثمن مشروبه، معتبرا أن “القهواجي” ملزم باحترام حقوق الزبون، لكنه دعا أيضا إلى احترام التوازن داخل المقاهي، وعدم الجلوس لساعات دون استهلاك.
وأكد أن الحل الأنسب هو إشعار الزبون مسبقا بمدة الجلوس الممكنة، عبر لافتة واضحة، لأن فرض شروط بشكل مفاجئ يمس بصورة المقهى ويؤدي إلى نفور الزبائن، وهو ما لا يخدم مصالحه في نهاية المطاف.
وفي تعليقه على الجدل القانوني، قال خالد الوالي العلمي، أستاذ القانون الجنائي وعلم الإجرام بجامعة فاس، إن هذا السلوك الذي يبدو بسيطا يحمل في طياته أبعادا قانونية وأخلاقية واجتماعية عميقة، مبرزا أن القانون المغربي يمنع فرض شروط غير معلن عنها بشكل واضح ومسبق.
وأضاف أن القانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك، خاصة في مواده 3 و7 و23، يؤكد على ضرورة إعلام الزبون بكل تفاصيل الخدمة قبل التعاقد، وإلا اعتُبر الشرط تعسفيا وجب إسقاطه قانونيا، مشددا على أن المقهى يجب أن يضع هذه الشروط بشكل مكتوب في قائمة المشروبات أو في واجهة المحل.
وختم العلمي تصريحه بأن المشرع المغربي أولى اهتماما خاصا لحقوق المستهلك، وأقر مبدأ الشفافية والحق في الإعلام كأحد أعمدة العلاقة التجارية، وأن محاولة فرض شروط استهلاك إضافي تحت ذريعة الحفاظ على التوازن المالي لا تبرر المساس بالحقوق القانونية للمواطن.
تعليقات الزوار
بعض أرباب المقاهي يفضلون لو استهلك الزبون خمس او ست طلبيات وذاك امر غير مقبول اطلاقا. صاحب المقهى يبحث عن الربح السريع لينضاف الى اهل الملايير7500.علما ان الجودة احيانا غير متوفرة.