درج خطباؤنا، جزاهم الله عنا كل خير، في بداية كل سنة دراسية، على التذكير بأهمية التعليم وطلب العلم، وهذا ما نسمعه يتردّد على ألسنة الكثيرين حيث تُستَحضر الآيات والأحاديث التي ترفع من شأن العلم والمتعلمين . غير أن السؤال الجوهري الذي ينبغي طرحه هو: هل ما نتعلّمه في مدارسنا ينسجم حقًا مع طبيعة العلم الذي أراده منا ديننا الحنيف ؟
حين نتأمل في واقع التعليم اليوم، نجد أن كثيرًا مما يُدرّس في المدارس هو “علم خبزي”، أي علم لا يُقصد به سوى الحصول على شهادة تُؤهّل لوظيفة، وليس “علمًا نهضويًّا” ينهض بالفكر ويُحرّر العقل، ويُسهم في بناء الحضارة. العلم في الإسلام لم يكن أبدًا غاية مادية فقط، بل كان سبيلًا لفهم الكون، وإعمار الأرض، والارتقاء بالإنسان، وإقامة العدل. أما اليوم، فقد أصبحنا نركّز على الحفظ والتلقين، لا على التفكير والنقد والإبداع.
الطالب يُمضي سنواته بين دفّات الكتب، لكن نادرًا ما يُسأل: لماذا نتعلّم؟ ما الهدف من هذه المعارف؟ وما علاقتها بواقعنا وأمّتنا؟ بل الأسوأ من ذلك، أن بعض المناهج تُدرّس وكأنها معزولة عن ديننا وهويتنا، فنخرج بجيل يعرف المعلومة، لكنه لا يملك البوصلة، ولا يرى العلاقة بين ما يتعلّمه وبين نهوضه بأمّته فيتحول العلم إلى مجرد أداة مادية، منفصلة عن الروح والقيم، ويغيب عنه البعد الإصلاحي الذي أراده الإسلام.
ولا يُفهم من هذا الكلام أن الدعوة إلى مراجعة نوعية العلم والتعليم هي رغبة في الانتقاص من الجهود أو الوقوف في وجه التقدّم إن وُجد اصلا ، بل المقصود هو تصويب المسار ليكون العلم أداة نهضة لا وسيلة تكرّس الواقع المتأزم. وهذا الطرح لا يرضي أولئك الذين يريدون للمجتمع أن يبقى غارقًا في غياهب الجهل والذل، لأنهم يعلمون أن الشعوب الجاهلة أسهل في السيطرة، وأضعف في المطالبة بحقوقها، وأبعد ما تكون عن صناعة التغيير.
إنّ إعادة النظر في فلسفة التعليم، وتوجيهه ليكون علمًا يقود إلى النهضة، لا إلى الوظيفة فقط، هو أحد أهمّ ما تحتاجه الأمة اليوم، إن أرادت أن تخرج من ضعفها، وتنهض من كبوتها.