تمهيد:
إن أغلب التنبؤات تشير إلى قرب نهاية بني صهيون، وهذا غير صحيح إذ يجب أولا أن تسقط أمريكا و حلف” الناتو”، ثم دول عربية منافقة تمد الكيان بالمال والغذاء و بالدعم السياسي، فولله لو كانت “إسرائيل” تواجه حماس لوحدها، أي دون دعم دولي و إقليمي لكان فطور أبو عبيدة في “الكنيست” والعشاء في بيت “النتن ياهو”، لهذا لا تشغلوا انفسكم بهذه التنبؤات قبل تحقيق هذه الشروط أولا.
أعلم مسبقا أن الكثير من العرب والمسلمين لن يعجبهم كلامي هذا، اتحدث هنا عن الشعوب أما الحكام فلهم منطق أخر، وهذه الشعوب مع ذلك ألتمس لها عذرا بحكم الواقع، فالذين يشاهدون أفعال الهمج الصهاينة في غزة يتمنون زوال “إسرائيل” اليوم قبل الغد، بل حتى نبوءات زوالها بعد سنوات قليلة يرونها طويلة جداً ولا تطاق، ألم يقل الإرهابي إسحاق رابين : ( أتمنى أن أصحو يوما و أجد غزة قد ابتلعها البحر )، هذا من شدة كرهه لغزة بسبب مقاومتها و بسالة سكانها، هذا تقريبا هو نفس الشعور عند الشعوب العربية فهي تكره الكيان كرها شديدا، و لهذا تحب سماع هذه النبوءات من حين لأخر و تطرب لذلك و تمني النفس بها، لكن شتان ما بين الأماني المعسولة و الواقع المر فحذار إذن من التمادي في استهلاك هذه ( النبوءات)، لأن الأمر يحتاج إلى تدقيق و توضيح أكثر، وهذا ما غفل عنه أغلب المنظرين في هذا الجانب حيث كان التركيز على الشق المادي بشكل مبالغ فيه، لهذا سأتناول موضوع زوال الكيان “الإسرائيلي” من زاوية أخرى، الفقرة الأولى :
نهاية بني صهيون هي نهايتين..!!
الفقرة الثانية :
نماذج تاريخية تزكي ما جاء في الفقرة السابقة…
خلاصة : رأيي في موضوع التنبؤات…
الفقرة الأولى :
ـ نهاية بني صهيون هي نهايتين :
وهو كذلك بحيث يجب أن تسبق إحداهما الأخرى و الترتيب هنا ضروري، أنا لست ضد بعض هذه النبوءات جملة و تفصيلا، و التي تحدد موعد زوال بني صهيون بالسنة و الشهر و الدقيقة..!! قد يكون فيها شيء من المصداقية لكن قبل ذلك يجب أن تحترم هذا الشرط، أي التوازن بين النهاية المادية و المعنوية عند التحليل، وعليه أقول أن زوال دولة بني صهيون المادي لا زال بعيد المنال، ولا أظن تحققه في القريب العاجل، رغم أن أغلب النبوءات تشير إلى حدوثه في عشر سنوات القادمة، بما فيهم حاخامات و جنرالات بني صهيون حيث يؤكدون على ما يسمى بـ ( لعنة العقد الثامن )، والسبب بسيط هو أن هذا الزوال المادي لن يتحقق إن لم يسبقه سقوط أو زوال أخلاقي، وهذا الأخير بدأ فعلا منذ أزيد من 70 سنة، و تسارعت و تيرته في العقدين الأخيرين بشكل واضح، واليوم بلغ ذروته منذ سنتين مع انطلاق معركة طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر ، و سرعة السقوط الأخلاقي مرتبطة بوتيرة ارتكاب العدو للمجازر و الدمار في غزة، إن الشعوب الأوروبية باتت اليوم تكره الكيان الصهيوني، وهذا أمر بالغ الخطورة على مستقبل الدولة اللقيطة، و الشعوب التي أتحدث عنها هنا هي الموجودة حصريا في أمريكا الشمالية و أوروبا الغربية، أما الشعوب العربية والإسلامية فلا وزن لها مع الأسف الشديد عند حكامها أولا، و تبعا لذلك لا يقيم لها الصهاينة وزنا ولا كذلك الرأي العام الدولي، المهم أن دعم وحب الشعوب الأوروبية لغزة كان “أسطوريا”، حيث توحدت كل طبقاته و نخبه من سياسيين و أدباء و مفكرين و فنانين و رياضيين و جماهير طلابية… حيث أجمعوا كلهم على كره الكيان الصهيوني و أفعاله الإجرامية، في المقابل كان حبهم لشعب فلسطين عامة و أهل غزة خاصة كبيرا و أسطوريا…. تماما كما كان – مع الأسف الشديد- خذلان غزة من بعض الأنظمة العربية خذلانا أسطوريا كذلك، المهم عودة إلى الشعوب الغربية التي حولت هذا الحب إلى ضغط كبير على حكامها و مجالس نوابها، إن الكيان الصهيوني أصبح منبوذا وفي عزلة عالمية غير مسبوقة، حيث دعا الرئيس الإيرلندي “مايكل هيغينز”، لاستبعاد الكيان الصهيوني والدول التي تزوّده بالأسلحة من الأمم المتحدة، على خلفية تقرير أممي أدان الاحتلال الصهيوني بارتكاب إبادة جماعية في قطاع غزة، كما سارت إسبانيا و هولاندا في نفس السياق أي الدعوة إلى مقاطعة الكيان، أما إيطاليا مع فرنسا ودول أوروبية أخرى فهي تقترب من المواقف المتقدمة للدول السابقة، زد على ذلك خروج كبريات الجامعات الأمريكية عن صمتها التقليدي، حيث خرجت مظاهرات صاخبة وغير مسبوقة دعما لغزة و إدانة للإبادة الجماعية، لقد أصبح رفع العلم الفلسطيني و ارتداء الكوفية الفلسطينية، أمرا عاديا و مألوفا في كل عواصم الدول الأوروبية، وهكذا أصبحت قلاع النفوذ الصهيوني التقليدية تنهار و تفتح أمام الفلسطيني قلعة بعد أخرى، وبدأ السقوط الأخلاقي لدولة الإرهاب مدويا، حيث تم كشف و تفكيك كل الأحجيات و الطلاسم التي كان يستعملها غطاء إديولوجيا…!!
ـ أدلة وبراهين على نهاية “إسرائيل” أخلاقيا :
قال الكيان المجرم عن نفسه أن جيشه هو الأكثر أخلاقية في العالم، ليكتشف الأوروبيون بعد ذلك أنه عبارة عن عصابة من المجرمين المتعطشين للدماء، في المقابل ظهر نبل المقاومة في تعاملها مع أسرى العدو، كما يزعم صهاينة أمريكا و أوروبا في دفاعهم عن بني صهيون، أن “إسرائيل” هي واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط، ليكتشف العالم بعد ذلك حجم الكذب حيث ظهر أنها الأكثر تطرفا و قمعا لحرية الرأي والتعبير، حيث قتل في غزة أكثر من 260 صحفيا، إضافة إلى التعامل بعنف مع معارضي الدكتاتور الإرهابي “نتن ياهو”، أما مسألة افتخارهم و زعمهم بأنهم ( شعب الله المختار ) فقد ضحك منها العالم كثيرا، حيث تساءل الشباب إذا كان هذا هو تصرف جيش دولة ( شعب الله المختار) في غزة، فكيف يكون إذن تصرف جيوش دول العالم التي لم “يخترها ” الله أثناء حروبها..!!؟
أما الذريعة التي كان يستعملها الصهاينة كي يسكتوا كل معارض لتصرفاتهم الإرهابية، أي ( معاداة السامية ) فقد تجاوزها الشباب الأوروبي و الأمريكي، وقد أصبحت من الماضي رغم محاولة اللوبي الصهيوني منحها جرعة الحياة من جديد، انظروا اليوم إلى آلاف المتظاهرين في شوارع كل العواصم الأوروبية، حاملين الأعلام الفلسطينية وعلى أكتافهم الكوفية الفلسطينية رافعين شعارات تدين الصهاينة… حيث يسمع من بعيد هذا الشعار المعبر : ( FREE FREE PALISTIN) فلسطين حرة وغزة حرة…. كما لم يعد أحد يصدق كذبهم و قولهم : ( أنهم دولة ضعيفة يحيط بها الأعداء وأن العرب يريدون رميهم في البحر..!!)، لقد شاهد العالم التطهير العرقي في غزة، و اعتداء الصهاينة على سوريا ولبنان واليمن وأخيرا قطر..، كما أن “محرقة” غزة أنست العالم “محرقتهم” التي جهدوا في تضخيمها و المبالغة فيها لعقود..
وهكذا يكون زوال ونهاية “إسرائيل” أخلاقيا بالدليل قبل سقوطها المادي المحتوم، و سيجد الكيان اللقيط صعوبة بالغة في إقناع الأجيال الشابة القادمة، من أوروبا وأمريكا بما كان يقنع به أسلافهم من الشباب، فلا هي واحة الديموقراطية ولا هي “شعب الله المختار” .. و جيشها ليس كذلك بالأخلاقي كما يزعمون، لأن أفعال هذا الجيش تكذب أقوال السياسيين، أما عن الترهيب بتهمة معاداة “السامية” فلم يعد أحد يلتفت إليها ولم تعد كذلك تجدي نفعا…كما أن محرقة غزة غطت على التسويق الإعلامي المضلل و المبالغ فيه لـمحرقتهم المزعومة..!!
ـ الفقرة الثانية :
ـ تجارب من التاريخ (السقوط الأخلاقي ) قبل المادي :
لقد كان في جزيرة العرب قبل أزيد من أربعة عشر قرنا حدث عظيم، لقد بعث النبي خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم، حيث كانت أنذاك عبادة الأصنام لها سطوة كبيرة و سيطرة على العقول والقلوب، فكان لكل قبيلة صنم تعكف على عبادته وتقدم له القرابين، ومن أهم الأصنام و أشهرها عند عرب الجاهلية في ذاك الزمان، حيث بقيت تعبد حتى بعد زمن البعثة وهي : (هبل و اللات و العزى)، حيث كان يقسم بها عرب الجاهلية توقيرا لها و يخشون غضبها و يرجون نفعها، باختصار لم يكن أحد يجرؤ على تجاوز هذا المعتقد والاعتداء على الأصنام، بحيث أن القبائل العربية كانت مستعدة لتفدي هذه الألهة بأرواح أبنائها… وسط هذه البيئة الجاهلية المظلمة بعث محمد صلى الله عليه وسلم، ونحن نعلم أن من أعظم الذنوب التي لا تغفر الشرك بالله، و المقصد من بعثة الأنبياء والمرسلين هو محاربة الشرك بالله والدعوة إلى التوحيد، لقد كان حوالي 360 صنما منتصبا في الكعبة أي صنم لكل قبيلة، و يمكن اعتبار تجمع الأصنام هذا في الكعبة بمثابة” مجلس الآلهة ” الذي يمثل القبائل، إذن كيف تعامل الرسول الأكرم مع هذا الواقع الجاهلي..؟ لقد كان عدد المؤمنين في ذاك الوقت قليلا يعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة، وكانوا يجتمعون خلسة في دار ( الأرقم بن الأرقم) خوفاً من انكشاف أمرهم، وكان الرسول الأكرم صلى الله عليه و سلم يطوف بالكعبة وبها عدد كبير من الأصنام، فهل كان المؤمنون عاجزون عن إلحاق الأذى بهذه الأصنام و تحطيمها..؟
كلا بل كانت عندهم القدرة والإيمان لفعل ذلك، حيث يمكن لهذه الخلية التسلل تحت جنح الظلام وتنفيذ العملية، وخاصة أن هذه ” الآلهة ” بلا حراسة، لأن قريشا لا تعتقد بأن شخصا ما يجرؤ على إلحاق الأذى بها، وبما أن الرسول الأكرم صلى الله عليه و سلم مؤيد بالوحي فقد تصرف بحكمة، لأن تحطيم الأصنام أمر سهل لكنه غير مجد وقد يكون ضرره أكبر من نفعه، لهذا كان التركيز على تحطيمها أخلاقيا و ثقافيا له الأسبقية على التحطيم المادي، وذلك بتنقية القلوب و العقول من الاعتقاد بكونها تنفع أو تضر، وبذلك يترسخ في الأذهان أنها لا تجلب خيرا ولا تدفع شرا، ثم يأتي بعد ذلك التحطيم المادي كتحصيل حاصل، لقد بقي الرسول الأعظم صلى الله عليه و سلم يدعو الناس إلى التوحيد و نبذ الشرك أزيد من 20 سنة، و الأصنام تعبد في الكعبة حتى عام فتح مكة حيث حطمها بيده الكريمة وهو يقول : ( .. لقد جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا..)، وهكذا تلاحظون ياسادة أن السقوط الأخلاقي سابق على السقوط المادي… وهذا هو نفس الشيء الذي سيحدث لعصابة بني صهيون، فسقوطهم الأخلاقي أصبح واضحا وهو مؤشر على بداية العد العكسي للنهاية المادية لدولة بني قريظة بإذن الله…
خلاصة :
لا تجعلوا دخان القصف وتدمير الأبراج في غزة، يحجب عنكم الحقيقة الساطعة فكلما زاد عنف العدو، كلما تأكد السقوط الأخلاقي لهذا الكيان فلن يصدقهم بعد ذلك أحد، أما السقوط المادي فهو رهين بالتقدم العلمي و إتقان الصناعات العسكرية… إذن على كل المؤثرين خاصة و رواد وسائل التواصل الاجتماعي عامة، العمل على ترسيخ صورة السقوط الأخلاقي لبني صهيون و فضحهم، إن النصر يقترب… يرونه بعيدا و نراه قريبا ( والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون) فلسطين حرة وغزة حرة…