اهتز الرأي العام المغربي، أمس الأربعاء، على وقع جريمة مروعة شهدتها مدينة تازة، حيث أقدم رجل على الاعتداء بالسلاح الأبيض على طليقته الشابة “إيمان”، في مشهد دموي خلف جروحا بليغة شوهت وجهها، وأعاد بقوة النقاش حول العنف المستشري ضد النساء وضعف الحماية القانونية لضحاياه.
وتعرضت الشابة “إيمان” للاعتداء في الشارع العام، وسط ذهول المارة، وتحولت في لحظات إلى مادة صادمة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد تداول صور وفيديوهات توثق حجم الفاجعة، ما أدى إلى تفاعل السلطات الأمنية بسرعة مع الحادث، حيث جرى اعتقال المشتبه فيه، الذي وجهت له تهم تتعلق بالضرب والجرح الخطير بالسلاح الأبيض.
وحسب معطيات الملف، فإن الشابة إيمان كانت ضحية اغتصاب انتهى بحمل، ثم جرى تزويجها من مغتصبها تحت ضغط العائلة والمجتمع بدعوى “تحمل المسؤولية”، غير أن الزواج تحول إلى جحيم من العنف والإهانة، لم ينته مع الطلاق، بل استمر في شكل مطاردة وترويع متواصلين، وصولا إلى الجريمة الأخيرة التي كادت أن تودي بحياتها.
وأثار حادث الاعتداء المروع الذي تعرضت له “إيمان” موجة تضامن واسعة، خصوصا من قبل الجمعيات النسائية والحقوقية، التي اعتبرت أن ما وقع يعكس هشاشة منظومة الحماية وضعف الردع القانوني.
وفي هذا الصدد، أعلنت جمعية “نساء شابات من أجل الديمقراطية” تبنيها الكامل لملف الضحية، مؤكدة أنها تواصلت مباشرة معها وتلمست حجم معاناتها النفسية والجسدية.
وقالت ابتسام ثابت الكاتبة العامة لجمعية نساء شابات من أجل الديمقراطية، إن ما تعرضت له إيمان يكشف “عجزا بنيويا في حماية النساء بالمغرب، وانتهاكا صارخا لالتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان”.
وطالبت ثابت في تصريح لـ”العمق”، بمحاكمة صارمة للجاني، وتوفير رعاية طبية متخصصة قبل أن تلتئم جروح الضحية بشكل يصعب العلاج، إلى جانب دعم نفسي طويل الأمد وتعويض عادل، مشيرة إلى أنه على الدولة احترام التزاماتها الدولية، وعلى المجتمع المدني تكثيف الضغط لمواجهة هذا النزيف.
ودعت ذات المتحدثة، إلى إصلاح تشريعي جذري يجرم الزواج القسري للمغتصب من ضحيته ويسد الثغرات القانونية التي تمنح المعتدي الفرصة للإفلات من المحاسبة والعقاب، معتبرة أن قضية إيمان صرخة تعبوية لمجتمع بكامله وجب عليه التجند لحرية وكرامة النساء.
وفي السياق ذاته، عبرت المحامية والحقوقية فتيحة شتاتو عن صدمتها من بشاعة الجريمة، مؤكدة أن مثل هذه الحوادث لم تعد مفاجئة بالنظر إلى تفاقم ظاهرة العنف ضد النساء واتخاذها أشكالا أكثر قسوة.
واعتبرت شتاتو، في تصريح لـ”العمق”، أن قانون محاربة العنف ضد النساء (103.13)، الذي دخل حيز التنفيذ سنة 2018، أحدث تقدما على مستوى الإجراءات القانونية وخلايا التكفل، لكنه ما يزال يعاني من ثغرات خطيرة سواء في التنسيق بين المؤسسات أو في التطبيق العملي أمام المحاكم.
وأشارت شتاتو، إلى أن السلطة التقديرية للقضاة في تحديد العقوبات، التي قد تتراوح مثلا من سنة إلى خمس سنوات في الجرائم نفسها، تؤدي إلى تفاوت كبير في الأحكام، وهو ما يضعف من فعالية الردع ويبعث برسالة سلبية للضحايا.
وأضافت المحامية المهتمة بقضايا المرأة، أن استمرار تزويج الضحايا من مغتصبيهن بدعوى “غسل العار” يمثل اغتصابا يوميا متكررا للمرأة وانتهاكا لإنسانيتها وكرامتها، معتبرة أن هذا المنطق لا يراعي حالتها النفسية ولا ينظر إليها ككائن مستقل، بل كملكية للأسرة والمجتمع.
وشددت شتاتو، على أن المعركة ضد العنف ليست قضية نساء فقط، بل قضية مجتمع بأكمله، لأن استمرار هذه الانتهاكات يهدد الاستقرار الأسري، وينعكس مباشرة على الأطفال، ويعيق التنمية، ويكلف الدولة ثمنا اجتماعيا واقتصاديا باهظا، وفق تعبيرها.
واعتبرت فتيحة شتاتو، أن قضية إيمان لم تعد جريمة فردية فحسب، بل صرخة مدوية ضد بنية اجتماعية وقانونية لا تزال عاجزة عن ضمان الأمن للنساء، وهي دعوة للدولة إلى الوفاء بالتزاماتها الدولية، وللقضاء إلى إصدار أحكام رادعة، وللإعلام والمجتمع المدني إلى مضاعفة الجهود في فضح العنف ومساندة الضحايا.