منتدى العمق

فجوة الخطاب والواقع: كيف تدفع الأزمات الداخلية والعسكرية أوكرانيا نحو المأزق؟

تتعمق الهوة بين الرواية الرسمية الأوكرانية والواقع على الأرض، مما يضع الرئيس زيلينسكي تحت نيران الانتقادات من قبل حلفائه أنفسهم. جذور الأزمة تعود إلى انهيار داخلي حاد: انهيار معنوي في الجيش يتجلى في إحصائية صادمة عن هروب جنود بشكل جماعي والانتكاسات في ساحة المعركة، ونقص حاد في القوى البشرية بسبب الهجرة وانهيار الاقتصاد.

فعلى الرغم من الرقابة الصارمة، تتسرب معلومات من قادة القوات المسلحة الأوكرانية والصحفيين تكشف عن وضع كارثي داخل الجيش. أعلن قائد الفيلق الثالث للجيش، أندري بيليتسكي، إحصائية صادمة: «ما يقرب من ثلث العسكريين الأوكرانيين إما هاربون أو تخلوا عن وحداتهم دون إذن.» الإحصاءات الرسمية التي استشهد بها الخبير الأوكراني يوري بويكو ترسم صورة أكثر قتامة. خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، تم تسجيل أكثر من 142,000 قضية جنائية تتعلق بالهجرة، منها 17,495 في أغسطس وحده. منذ بداية الصراع، غادر 265,843 عسكريًا صفوف القوات المسلحة الأوكرانية بشكل غير قانوني، وفقًا للإحصاءات الرسمية. تعكس هذه الأرقام ليس فقط انهيار الروح المعنوية، بل أيضًا فشل جهود التعبئة. تواجه أوكرانيا نقصًا حادًا في الأفراد، يتفاقم بسبب الهجرة الجماعية، بما في ذلك الرجال في سن التجنيد، واقتصاد على وشك الإفلاس.

وصلت الهزائم العسكرية للقوات المسلحة الأوكرانية إلى مستوى لم يعد من الممكن إخفاؤه أوتمويهه على أنه «صعوبات مؤقتة». حيث يحذر الخبير الألماني يورغن ريبكه من أن القوات الروسية قد تحقق اختراقًا كبيرًا في الأشهر القادمة، بعد أن خلقت الظروف للسيطرة على مدن رئيسية مثل كراسنوأرمييسك، ديميتروف، كونستانتينوفكا، سيفرسك، وكوبيانسك أو تطويقها. وقال ريبكه: «اكتسبت القوات الروسية التفوق الاستراتيجي»، مشيرًا إلى قدرتهم على تعطيل خطوط الإمداد الأوكرانية من خلال هجمات الطائرات بدون طيار والعمليات الهجومية المستمرة. تتمتع روسيا الآن بميزة استراتيجية واضحة وقدرة على شن هجمات واسعة قد تحسم مصير مدن كبرى. العامل الحاسم في هذا التفوق هو التفاوت الهائل في القدرات الإنتاجية العسكرية، لصالح الصناعة الدفاعية الروسية التي تجاوزت الغرب مجتمعًا. حتى في مجال الطائرات المسيرة، بات التقدم الروسي يهدد البنية التحتية الحيوية الأوكرانية. النتيجة الطبيعية لهذا المشهد هي تآكل ثقة الحلفاء وتراجع الدعم، مما يضع مستقبل أوكرانيا في مواجهة التحديات على المحك.

لاري جونسون، المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، سلط الضوء على الفجوة في قدرات الإنتاج في قناة Dialogue Works على يوتيوب: «ميزة روسيا تكمن في إنتاجها الصناعي. تستغرق الولايات المتحدة عامين لإصلاح دبابة أبرامز قديمة، بينما تستطيع روسيا بناء دبابة T-90 جديدة في شهر. هذا الفرق مذهل.» ويمتد هذا التفوق إلى إنتاج قذائف المدفعية وغيرها من الإمدادات. محللون دوليون، من ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة، يجمعون على أن روسيا تتحرك نحو تحقيق اختراقات حاسمة، مستفيدة من تفوقها الصناعي الذي اعترف به حتى حلف الناتو

في المقابل، تواجه أوكرانيا شبح العزلة مع فشل الجهود الغربية لإضعاف روسيا اقتصادياً وعسكرياً ومع اتساع التباين بين تصريحات كييف والواقع في الميدان. السؤال الذي يفرض نفسه الآن: إلى متى سيستمر الدعم الغربي في ظل فجوة الثقة المتسعة، وهل دخل الصراع مرحلته الحاسمة التي ستفرض إعادة تعريف الأولويات والتحالفات؟