تابع الكثير من المغاربة ما حملته وسائل التواصل الاجتماعي وبعض المنابر الإعلامية، من متابعات لكثير من المظاهرات في عديد من المدن. ركزت الكاميرات على لحظات تم خلالها اعتقال شباب كانوا يهتفون بشعارات حول الوضع الصعب الذي توجد عليه المنظومة الصحية والتعليمية. كانت أصوات من تم اعتقالهم تتعالى لتؤكد الطابع السلمي لوجودهم في الشارع العام. تعامل الشرطة والقوات المساعدة اتسم بشيء من “النرفزة” وإصرار على منع التصوير على غير الصحافيين. تم سحب بعض الهواتف من أصحابها، الذين قد يكونوا قد وثقوا للحظات وحيثيات المواجهات، واقتياد المعتقلين إلى سيارات الشرطة والقوات المساعدة. وهكذا تتجدد نتائج تدبير السياسات العمومية، وأخطاء الحكومة والأحزاب، وحتى بعض النقابات، وتتسبب في تسريع التدبير الأمني لمنع التظاهر لأسباب يقال إنها تتعلق بمخلفة شروط التظاهر.
أتابع الصور والأشرطة المنشورة فأرى شاباً متظاهراً يقوده شباب من الأمن بقوة إلى السيارة. أقرأ في عيونهم كثيراً من الحيرة رغم أدائهم لواجبهم المهني، وتنفيذ الأوامر. قد يكون من ضمنهم من شاركوا قبل سنوات في مظاهرات من أجل الشغل والكرامة. ويظل معظمهم كسائر المواطنين، من ذوي الدخل المحدود، يعانون من نقائص الصحة والتعليم. وقد يكون من ضمن رؤسائهم من يعاني أبناؤه من صعوبة الحصول على منصب شغل. وبالرغم من وضعه، يقوم بعمله بكثير من الصرامة. نشاهد اليوم علاقات جديدة بين سلطة قمع التظاهرات والمتظاهرين. الشواهد الجامعية توجد لدى المتظاهرين ورجل الأمن، وتعكس تغير بنية في علاقات في زمن غير زمن كان القمع يديره الجنرال أوفقير وصنوه الدليمي رفقة زبانيتهم.
سكتت أغلبية الأحزاب والنقابات سكوتاً مدوياً. صدرت ثلاثة ردود فعل شملت العدالة والتنمية، والتقدم والاشتراكية بالإضافة إلى فيدرالية اليسار. ويتبين أن مناضلي هذه الأخيرة كانوا من المشاركين في المظاهرات، تم اعتقال بعضهم. وقررت هذه الهيئة السياسية تعليق حوارها مع وزارة الداخلية حول الانتخابات. لا يتمنى العاقلون إلا التغلب على أسباب الاحتقان الاجتماعي الذي نشعر به منذ شهور. تسبح الحكومة وأحزابها في أجواء يغلب عليها إنكار وجود أزمات اجتماعية كبيرة. ويصر السيد رئيس الحكومة على تفضيل البدء في حملته الانتخابية السابقة لأوانها، بدل التحلي بروح الاعتراف بهشاشة المواطن أمام المرض، والمواطنين أمام تردي المرفق العمومي للتعليم. جلس الرئيس أمام صحافيي التلفزيون الرسمي، ليرسم لوحة بألوان زاهية بعيدة عن واقع لا يرسمه إلا من يعرف معنى اللون الرمادي واللون الأسود.
لم يعد خافياً أن معضلة الولوج إلى الخدمات الصحية والعلاجات ليست مرتبطة، أوتوماتيكياً، بالحجم الكبير للتمويل فقط. لقد ركزت منظمة الصحة العالمية على دور الحكامة الحكيمة في تصنيف جودة الخدمة الصحية. وهذا ما جعل بلادنا تحتل المرتبة 85 على 90 في هذا المجال رغم التطور المهم الذي عرفه مستوى التمويل العمومي للقطاع. لا حاجة إلى مناظرة وطنية ثالثة للصحة، ولكن إلى تنزيل البرنامج الحكومي، وتوصيات تقرير النموذج التنموي الجديد. يظهر أن الولاة والعمال يسهرون على تنسيق عمل المصالح الخارجية للوزارات باستثناء قطاع الصحة. يجب أن تهتم وزارة الداخلية بالسهر على متابعة الموارد البشرية لكل إقليم واتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل خائن للواجب. لا وقت لترك أطباء يهربون من أداء الواجب في إقليم لا يزورونه إلا مرة في الأسبوع. ولكل هذا خرج الشباب للتظاهر للتعبير عن القهر أمام مشهد أم أو أب أو أخ لا حق لهم في الولوج إلى العلاجات أو إلى التعليم. هؤلاء المتظاهرون يحبون وطنهم لأنهم يريدون أن تسود العدالة الاجتماعية. لم أسمع أحداً يسيء للمؤسسات، ولكن صوت الجميع لا يتوخى إلا الإصلاح والقضاء على المفسدين والمرتشين ومستغلي تدبير الشأن العام. التظاهر السلمي، المحترم للقانون، أسلوب حضاري لتقوية بيت الوطن. وسيظل الشك كبيراً في من يراكمون الثروات عبر تسليع الصحة، والاستيلاء على سوق العقار، والتشجيع المفرط للقطاع الخاص التعليمي والصحي الذي يضعف ثقة المواطن في مؤسسات بلاده. ومن حق كل راغب في عدالة اجتماعية ومجالية أن يتعلق بملك البلاد الذي شجب السير “بسرعتين”، وانتقد بعمق التفاوتات الاجتماعية والمجالية.