أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي حول مناخ الاستثمار لعام 2025، والذي سلط الضوء على مكانة المغرب كقطب اقتصادي إقليمي متصاعد، مؤكدة على أنه يواصل تعزيز موقعه كبوابة استراتيجية للاستثمار والتجارة نحو القارة الإفريقية.
ورسم التقرير صورة متوازنة للمشهد الاستثماري في المملكة، مبرزا نقاط القوة الجاذبة والمشاريع الطموحة، دون إغفال التحديات الهيكلية التي لا تزال قائمة.
وأكد التقرير أن المغرب يستفيد بشكل كبير من مقومات فريدة تجعله وجهة مفضلة للمستثمرين الدوليين. فموقعه الجغرافي الاستراتيجي، الذي يربط بين أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط، يمنحه ميزة تنافسية كمنصة إقليمية للتصنيع والتصدير.
وأضاف التقرير أن الاستقرار السياسي الذي تتمتع به المملكة، إلى جانب التطور الملحوظ في بنيتها التحتية من موانئ وطرق ومطارات، يشكلان حجر الزاوية في جاذبيتها.
ولفت التقرير إلى أن المغرب تبنى خلال السنوات الأخيرة سياسات اقتصادية كلية مشجعة وإصلاحات هيكلية تهدف إلى تحسين مناخ الأعمال. وترافق ذلك مع تقديم حوافز ضريبية ومالية موجهة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة في قطاعات استراتيجية ذات قيمة مضافة عالية مثل صناعة السيارات، الطيران، الطاقات المتجددة، النسيج، الصناعات الدوائية، وخدمات ترحيل الخدمات (الأوفشورينغ).
على صعيد الأرقام، أشار التقرير إلى بيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، التي سجلت تراجعا في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر نحو المغرب بنسبة 50% خلال عام 2023، لتبلغ 1.1 مليار دولار.
لكن في المقابل، استدرك التقرير بالإشارة إلى المعطيات الرسمية المغربية التي تظهر انتعاشا قويا خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، حيث ارتفعت هذه التدفقات بنسبة 50.7% لتتجاوز 1.6 مليار دولار.
وتصدرت فرنسا قائمة المستثمرين بحصة بلغت 61.4%، تركزت استثماراتها بشكل أساسي في قطاعات الصناعة والعقار والسياحة.
بحسب التقرير الأمريكي، يراهن المغرب بشكل كبير على تسويق نفسه كبوابة رئيسية نحو إفريقيا. وتنعكس هذه الرؤية في المشاريع الضخمة للبنية التحتية التي يجري تنفيذها استعدادا لاستضافة أحداث رياضية عالمية كبرى، مثل كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030 بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال.
وتشمل هذه المشاريع توسعة المطارات الرئيسية، تقوية شبكة الطرق السيارة والسكك الحديدية فائقة السرعة، وإنشاء ميناءين استراتيجيين هما ميناء الناظور غرب المتوسط وميناء الداخلة الأطلسي.
ويرتبط الأخير بشكل مباشر بـ”مبادرة الأطلسي” التي أطلقها المغرب لتعزيز ولوج دول الساحل إلى المحيط الأطلسي، مما يعزز دوره كهمزة وصل إقليمية.
في مقابل نقاط القوة، لم يغفل التقرير الإشارة إلى استمرار وجود تحديات هيكلية قد تعيق جاذبية مناخ الأعمال في المملكة بشكل كامل. وسجل التقرير أن البيروقراطية وضعف الفعالية الإدارية لا تزالان من أبرز العقبات التي تواجه المستثمرين.
كما أشار إلى تفشي الفساد وبطء وتيرة الإصلاحات التنظيمية في بعض القطاعات كعوامل تحد من إمكانات النمو.
ومن النقاط اللافتة التي أثارها التقرير، غياب آليات واضحة لمراقبة الاستثمارات الأجنبية في قطاعات حساسة واستراتيجية مثل الاتصالات، المعادن الاستراتيجية، والطاقة المتجددة، وهو ما قد يثير تساؤلات حول الأمن الاقتصادي الوطني على المدى الطويل.
أوضح التقرير أن المغرب يسير وفق رؤية واضحة للمستقبل، تتجسد في “النموذج التنموي الجديد” الذي يطمح إلى رفع حصة الاستثمار الخاص لتصل إلى ثلثي إجمالي الاستثمارات بحلول عام 2035.
كما يهدف إلى زيادة حصة الطاقات المتجددة في مزيج الطاقة الوطني من 19.5% في عام 2021 إلى 40% بحلول 2035، مما يفتح آفاقا استثمارية واعدة في مجالات الهيدروجين الأخضر، تخزين الطاقة، والشبكات الذكية.
إلى جانب ذلك، أشار التقرير إلى إطلاق المغرب في سبتمبر 2024 لـ”الاستراتيجية الرقمية 2030″، التي تهدف إلى إحداث ثورة في الاقتصاد الرقمي عبر خلق 240 ألف فرصة عمل وتكوين 100 ألف شاب سنويا في هذا المجال الحيوي.
وختم التقرير بالتأكيد على أن المغرب يظل البلد الإفريقي الوحيد الذي يرتبط باتفاقية للتبادل الحر مع الولايات المتحدة. هذه الاتفاقية، التي دخلت حيز التنفيذ عام 2006، ضاعفت حجم التبادل التجاري في السلع بين البلدين بنحو ثماني مرات، وتوفر فرصا إضافية للشركات الأمريكية لتوطين عملياتها في المغرب كمنصة للتصنيع والخدمات الموجهة لإعادة التصدير نحو أسواق أوروبا وإفريقيا والشرق الأوسط.
وفي خلاصته النهائية، أبرز التقرير أن المغرب، على الرغم من التحديات، يظل أحد أبرز الوجهات الاستثمارية في المنطقة، بفضل رؤيته التنموية الطموحة، حوافزه الاستثمارية، واستقراره السياسي، وهي العوامل التي تعزز موقعه بشكل متزايد كبوابة اقتصادية لا غنى عنها نحو القارة الإفريقية.