من قلب العاصمة الرباط، يواصل سيف الدين كتابة فصول حية من تاريخ الصناعة التقليدية المغربية، باعتباره أحد آخر المشتغلين بحرفة “التسفير”، أو تجليد الكتب، وهي مهنة تقليدية نادرة تشمل أيضا ترميم المخطوطات القديمة.
سيف الدين بوهادي بدأ مسيرته المهنية عام 1975، حيث التحق بمعهد التكوين المهني ليتعلم أسرار هذه الحرفة الدقيقة، التي سرعان ما تحولت إلى شغف مستمر رافقه طيلة ما يقارب خمسة عقود. وخلال هذه السنوات، شارك في العديد من المعارض الوطنية والدولية، مؤكدا أن تجليد الكتب لا يزال مهنة ضرورية، خصوصا في خدمة الإدارات والمحاكم والخزانات والباحثين.
لكن خبرته تتجاوز حدود التجليد التقليدي، إذ تخصص في ترميم المخطوطات النادرة والكتب التاريخية التي يتجاوز عمر بعضها قرنين من الزمن. هذا التميز جعله محل ثقة زبائن من داخل المغرب وخارجه، من أكاديميين وعلماء وفقهاء، وصولا إلى زبائن من بلدان عربية مثل السعودية والإمارات، ممن يبحثون عن الجودة التي تتميز بها الصناعة المغربية في التذهيب والزخرفة.
إقرأ أيضا: التسفير.. أنامل ذهبية تعتني بالكتب وتتشبث بمهنة عريقة (فيديو)
ورغم العروض المغرية التي تلقاها للعمل في مكتبات وخزانات كبيرة خارج المغرب، فضل سيف الدين البقاء في بلده، متمسكا بمسؤوليته تجاه تراثه المهني والثقافي.
غير أن هذه الحرفة تواجه تحديات متزايدة، حسب قوله، أهمها تأثير الرقمنة على الطلب، وصعوبة الحصول على المواد الأولية كجلد الماعز والورق المقوى، التي أصبحت نادرة ومرتفعة التكلفة. ومع ذلك، لا يزال سيف الدين وفيا لحرفته، ويؤمن بقدرتها على الاستمرار.
حلمه الأكبر اليوم هو إنشاء مركز للتكوين المهني في مجال التسفير، بهدف نقل هذه المهارات إلى الأجيال الصاعدة، وإنقاذ الشباب من البطالة، عبر منحهم فرصة تعلم مهنة تعزز الانتماء وتحفظ الذاكرة الجماعية. كما يدعو إلى دعم حكومي جاد وتوفير منح دراسية للمتدربين، لضمان بقاء هذه الحرفة حية، كجسر يربط بين الماضي وحاضر المعرفة.