وجهة نظر

الاختيار الديمقراطي الذي نريد

إن المشرع الدستوري صنف الاختيار الديمقراطي ضمن ثوابت الأمة الجامعة. هذا مؤشر على أنه هو الأساس في استمرار الدولة والمجتمع. ويجب علينا ألا تغيب عنا هذه الحقيقة. فلا عدل وحرية وتنمية وتعددية ومصداقية ومساواة بدون احترام الاختيار الديمقراطي قولا وفعلا.

إن الاختيار الديمقراطي يخدم الدولة والمجتمع انطلاقا من منظومة الحريات والحقوق الأساسية. يبقى المعيار هو التوزيع العادل لقيم الديمقراطية بين الجميع خاصة السلطات العمومية والمؤسسات المنتخبة والمجتمع المدني والقطاع الخاص.

لن يتحقق هذا إلا بالعمل جميعا على إيجاد الإنسان المواطن، والمواطنة هي التلازم بين الحقوق والواجبات. لذلك خاطب الدستور المواطنات والمواطنين باعتبار تمثل المواطنة هو المؤشر على التفاعل الإيجابي مع المقتضيات الأخرى.

إن التيمة المركزية في عملية التأهيل هو المعرفة المقرونة بقيم المواطنة، أنذاك نؤسس لمنطق الثقة بين الدولة والمجتمع. مع الجمع بين العقلانية الديمقراطية والاستعمالات التقنية، من أجل ضمان الشرعية المؤهلة للمشروعية.

إن الاختيار الديمقراطي هو الضامن للأمن والاستقرار الذي بدونه تتعثر كل المشاريع التنموية. كما تعرقل التداول على السلطة السياسية بطرق عادلة. بالتالي نحصن سيادة الأمة لأننا ضمنا السيادة الديمقراطية التي تشكل النواة الأساسية لكل إقلاع حضاري.

إن الاختيار الديمقراطي يؤسس للتنوع الثقافي وجدلية التدافع بين الأغلبية والأقلية بدل الإقصاء والتطهير الطائفي أو العرقي. إنه أساس كل شيء ومنفتح على كل شيء. إن الإنسان بطبيعته الجبلية يرفض الاستبداد والفساد. إنه ميال للإيجابية ورافض للعدمية، ويرقى بالفلسفة السياسية الراقية التي تتولد عن الاختيار الديمقراطي.

إن الاختيار الديمقراطي سبيل أنجع للفاعلية يحتاج إلى نضال يهم الذات أولا حتى تمتثل لمقتضياته وآخر خارجي يتفاعل مع العيش المشترك تحت غطاء القانون والحريات والحقوق الأساسية والتنمية البشرية المندمجة والمستدامة.

إن القناعات الديمقراطية تؤسس للبنية التحتية للتداول السياسي. التي تنطلق من أفكار مؤسسة، تعتمد الحرية منهجا للتوافقات، بناء على تمازجها بالعقلانية، لأنه لا ديمقراطية بدون تنمية ولا تنمية بدون ديمقراطية. مع استحضار القرار السياسي الذي يجب أن يعقلن ويرشد حتى تكون ثماره مفيدة الجميع.

إن من المؤشرات التي تعطي للاختيار الديمقراطي رونقا وحضورا متميزا هو تعزيز منظومة الحقوق والحريات والتمثيلية المبنية على الشفافية والاختيار الحر وتعزيز مفهوم المواطنة الضامنة لاستمرارية الترابط بين الحق والواجب.

إن الاختيار الديمقراطي غاية الغايات في خضم هذا السياق المرتبك إقليميا ودوليا، لأنه ينفح روح المعنى في اللامعنى، واليقين في اللايقين. خاصة وأننا نعيش أزمة تمثيل مما أثر على المغرب في التصنيف العالمي، نتج عنه فساد سياسي من خلال المتابعات القضائية وطنيا وترابيا. ناهيك عن الأدوار المعطلة لأغلبية المنظمات غير الحكومية وجمعيات المجتمع المدني.

إن التفكير في مآلات الدولة والمجتمع يحكم علينا استحضار الاختيار الديمقراطي بكل قوة وعزيمة وعقلانية ووطنية التي تؤهلنا ديمقراطيا مما يؤثر على تنميتنا الحضارية. إننا نلوك مصطلحات كثيرة، ولكن بدون نفس فعلي ملموس، لأن التوازن بين البنيات التحتية المادية والفكرية واجب ديمقراطي.

إن من أصعب الأعطاب الفكرية هو الاعتماد على الأغلبية الرقمية الميكانيكية في تمرير كل شي ء دون استحضار البعد السياسي والمقاصدي في اتخاذ القرار. مما يؤثر على المصالح العليا للمجتمع والدولة. في هذه الحالة يجب أن تكون النقابات والأحزاب حاضرة بقوة في المساهمة الإيجابية في الإصلاح. بعيدين كل البعد عن الشمولية القاتلة للإبداع. خاصة الإبداع الديمقراطي الذي له انعكاس مباشر على الدولة والمجتمع.

إن الفكرة الديمقراطية تتجدد بالتراكمات، والممارسة السياسية الناضجة. لأن الديمقراطية فكرة ومنهج وممارسة، فهي صانعة للثقافة المتنوعة والبانية والمنعكسة على الذات والمؤسسة. بناء على قيم راقية تختبر أثناء التدافع السياسي. كما تصنع الديمقراطية العدالة على جميع المستويات.

من خلال هذا العرض نختم بهذه الأسئلة: هل نحن قادرون جميعا على إعادة تركيب مبادئنا الديمقراطية؟ كيف نخرج من كائنات بشرية عادية إلى كائنات مواطنة تلازم بين الحق والواجب؟ كيف نؤسس لاختلاف إيجابي يحترم الوحدة؟ كيف نبني جميعا بيئة ديمقراطية من خلال التراكمات التي راكمتها بلادنا في المراحل الإشراقية من تاريخنا السياسي؟ كيف نجعل من التربية والتكوين عاملا استراتيجيا من أجل تنشئة ديمقراطية هادفة؟ كيف نؤس لسمفونية منسجمة بين الديمقراطية والتنمية والاستقرار؟ بأي نفس نقر بأن السلطة توزيع عادل للقيم الديمقراطية بين الجميع؟ كيف نجدد في ظل الكليات العامة بدل الجزئيات التي تتغير بتغير الزمان والمكان والمآل؟ كيف نجعل من الثابت الدستوري الدين الإسلامي السمح مرجعا لتعزيز مبادئ الحرية والخير والعدل والسلام وتقوية الزاد المعنوي لتحمل أعباء الكدح في مجال الشهادة؟ كيف نجعل من جدلية العرض والطلب محترمة الحال، والمآل، والسياق والآفاق؟ كيف نجعل هذه المبادئ حاضرة في واقعنا المعيش خاصة أثناء التحضير للاستحقاقات الاستراتيجية؟