تعرف جماعة العدل والإحسان نفسها في أدبياتها بكونها: ” حركة إسلامية مغربية الأصل والمنشإ، وجماعة دعوية تربوية تتوب إلى الله وتدعو أعضاءها والناس إلى معرفة الله عز وجل والتوبة إليه، ثم هي أيضا حركة مجتمعية سياسية مكانها الأساسي والطبيعي هو المجتمع بما هو حاضنة شعبية..”. وانسجاما مع هذه الروح، أصدرت الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان بياناً بخصوص ما تعرفه عدد من المدن المغربية من احتجاجات اجتماعية شبابية متصاعدة، اتسم بالقوة في النقد والوضوح في الموقف، كما حمل رسائل متعددة الاتجاهات.
ولعل قراءة هذا البيان من زوايا سياقية وخطابية وسياسية تتيح فهم رهانات الجماعة في لحظة دقيقة يمر بها المغرب.
أولا: سياق البيان
يتأطر البيان زمنيا في سياق موجة احتجاجات اجتماعية تعكس حالة غليان وسط فئات واسعة، على رأسها الشباب المهمش والمقصي. هذه الاحتجاجات ارتبطت بالسياسات العمومية التي عمّقت الفقر والبطالة وضربت القدرة الشرائية، في وقت يطغى فيه الفساد والريع ونهب المال العام كما تؤكد كل التقارير الوطنية من المؤسسات الرسمية. وبالتالي، فالبيان لا ينفصل عن واقع اجتماعي مأزوم، بل يترجم محاولة الجماعة التموضع كفاعل سياسي ومجتمعي في قلب الأحداث. والانخراط في بلورة ميثاق وطني جامع يخرج البلاد من أزماته.
ثانياً: المضامين والخطاب
شرعنة المواقف بالمرجعية الدينية
يستند البيان إلى آيات قرآنية تؤكد على الكرامة والعدل، ما ينسجم مع هوية الجماعة كحركة ذات مرجعية إسلامية تعتبر الدفاع عن الحقوق والحريات امتداداً لمقاصد الشريعة.
تحميل الدولة المسؤولية
بلهجة واضحة، حمّل البيان الدولة وأجهزتها مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع، معتبراً أن السياسات الاقتصادية والاجتماعية الفاشلة، وإغلاق آفاق الحرية والتعبير، هي السبب في تفاقم الاحتقان.
إدانة القمع الأمني
سَجل البيان بأسى شديد ما رافق الاحتجاجات من إصابات وعنف مفرط وتدخلات قمعية، ودعا إلى الإفراج الفوري عن كافة المعتقلين، وهو موقف يضع الجماعة في موقع المدافع عن الحريات العامة. وفق ما تقره كل المواثيق والتشريعات ذات الصلة.
التوازن بين دعم الاحتجاج ورفض العنف
رغم دعمها الواضح للمطالب الشعبية، رفضت الجماعة أي أعمال تخريب أو عنف قد تصدر عن بعض المتظاهرين، معتبرة ذلك تشويهاً للمسار المشروع للاحتجاجات وخدمةً للسياسات القمعية. هذا التوازن يهدف إلى تجنيبها أي اتهام بالتحريض أو التورط في الفوضى. كيف لا وهي التي تبنت منذ تأسيسها منظومة اللاءات الثلاث: لا للعنف، لا للسرية، لا للتبعية للخارج.
لدعوة إلى إصلاح جذري
عتبر الجماعة في أدبياتها أن ما يعيشه المغرب من أزمات مرده إلى أزمة شرعية. لذا، البيان لم يكتف بالنقد أو الإدانة، بل شدد على أن الخروج من الأزمة لا يكون بالوعود الفارغة ولا بالمقاربة الأمنية، وإنما عبر إصلاح جذري وشامل يؤسس لمرحلة جديدة قوامها العدل والحرية والكرامة والمشاركة الشعبية.
نداء إلى القوى الحية
بلهجة وحدوية، دعا البيان الأحزاب والهيئات المدنية والنقابية وعموم الأحرار إلى تحمل مسؤولياتهم التاريخية والخروج من موقع المتفرج، بما يوضح تجديد دعوة الجماعة في تشكيل جبهة واسعة للتغيير عبر ميثاق وطني يشارك فيه كل الغيورين على هذا الوطن.
ثالثاً: الرسائل الموجهة
تضمن البيان الذي أصدرته الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان رسائل إلى كل الأطراف التي يهمها الأمر:
إلى الدولة: تحميل مباشر للمسؤولية، والدعوة لوقف القمع والإفراج عن المعتقلين.
إلى الشباب والشارع: دعم لمطالبهم المشروعة، مع التشديد على السلمية ورفض الانجرار للعنف.
إلى القوى السياسية والمدنية: حثّ على الاصطفاف الجماعي والانخراط في مشروع بديل يليق بتضحيات الشعب.
رابعاً: موقع الجماعة في المشهد
هذا البيان يعكس رغبة الجماعة الدائمة والأكيدة في في تأكيد حضورها كفاعل سياسي واجتماعي رئيس. فهي من جهة أولى تقدم نفسها كمدافع عن المطالب الاجتماعية، وكصاحبة مشروع تغييري تشاركي بديل. ومن جهة ثانية، تُظهر حذراً من الانزلاق نحو خطاب قد يُحمّلها مسؤولية أي عنف، لذلك شددت على السلمية.
الخلاصة
يُمكن القول إن بيان العدل والإحسان جمع بين ثلاثة أبعاد:
– البعد الاحتجاجي الواضح في تحميل الدولة المسؤولية وإدانة القمع.
– البعد المسؤول في رفض التخريب والعنف.
– البعد الاستراتيجي الوحدوي في الدعوة إلى جبهة وطنية للتغيير.
وبذلك، لم يكن البيان مجرد رد فعل ظرفي على احتجاجات الشباب، بل إعلاناً متجدداً عن رؤية الجماعة لأزمة المغرب العميقة، وسعياً لإعادة تشكيل جبهة وطنية تشاركية قادرة على إخراج الوطن من معضلته.