وجهة نظر

من المسؤول عن هذا التصعيد الخطير؟!

مؤلم حقا هذا الذي يحدث هذه الأيام في بلادنا من تصعيد خطير، كما تشهد بذلك مقاطع فيديو المنتشرة على منصات التواصل الاجتماعي، التي تثير الرعب في النفوس. وما كان لها لتقع لو أن الحكومات المتعاقبة تقدر حجم المسؤوليات المنوطة بها وتفي مكوناتها بوعودها الانتخابية، من خلال تلبية انتظارات المواطنات والمواطنين في تحسين ظروف عيشهم، الحد من معدلات الفقر والبطالة والهدر المدرسي، وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، ومكافحة مختلف أشكال الفساد والريع واحترام حقوق الإنسان…

وإذا كانت “حركة 20 فبراير” الشبابية المستقلة، التي تأسست عام 2011 في فترة ما سمي بالربيع العربي، قد خرجت للاحتجاج السلمي في شوارع المدن المغربية، بعد أن حددت أهدافها في تحقيق العيش الكريم للمواطنين في مغرب ديمقراطي حر وموحد، يتسع لجميع أبنائه دون أدنى تمييز بينهم. وأوضحت حينها أن خروجها جاء جراء ما تراكم من معضلات اجتماعية تعود للاختيارات السياسية غير المجدية، مطالبة بالعدالة الاجتماعية وحياة كريمة وقضاء مستقل ونزيه، ومحاكمة المتورطين في قضايا الفساد واستغلال النفوذ ونهب خيرات الوطن، وإطلاق كافة المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي، والإدماج الفوري والشامل للمعطلين في أسلاك الوظيفة العمومية، والحد من الغلاء الفاحش والرفع من الحد الأدنى للأجور…

فإن الشهور الأخيرة من سنة 2025 عرفت ظهور حركة أخرى مستقلة، وهي مجموعة تطلق على نفسها اسم “جيل زد 212” أو “Gen Z 212″، تضم في صفوفها عددا من الشباب المغاربة المنحدرين من مختلف المدن والأقاليم المغربية، من ذوي الارتباط الشديد بعالم الرقمنة ووسائل التواصل الاجتماعي، تتراوح أعمارهم ما بين 15 و28 سنة. الذين قرروا فجأة نقل نشاطهم من الفضاء الرقمي إلى الشارع، بعد توجيه الدعوة لعموم المواطنات والمواطنين وخاصة فئة الشباب، للخروج يومي السبت والأحد 27/28 شتنبر 2025 من أجل الاحتجاج السلمي على تردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن انطلاقة “جيل Z” للاحتجاج في مختلف المدن المغربية، جاءت على إثر ما باتت تشهده المستشفيات العمومية من نقص صارخ في التجهيزات والموارد البشرية وتدني مستوى الخدمات، خاصة بعد أن أشعلت وفاة ست نساء داخل قسم الولادة في مستشفى الحسن الثاني بمدينة أكادير فتيل الاحتجاجات لتدهور الأوضاع في مختلف المراكز الاستشفائية عبر التراب الوطني. حيث خرجت حركة “جيل Z” بشكل سلمي وفي أجواء من الهدوء الانضباط، تطالب فقط بما يكفله لها الدستور من حقوق، وهي الحق في الصحة السليمة والحق في التعليم الجيد والحق في الشغل المناسب والحق في السكن اللائق والحق في العيش الكريم والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد، القطع مع ممارسات القمع والتهميش وربط المسؤولية بالمحاسبة وتفعيل قانون الإثراء اللامشروع.

وهي المطالب العادلة التي لم يتأخر في مباركتها المواطنون والفاعلون السياسيون والمنظمات الحقوقية وغيرها، لأنها تعبر فعلا عن مطالب السواد الأعظم من المغاربة، حيث لا يمكن تحقيق التنمية الشاملة في ظل غلاء الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، وتردي أوضاع المستشفيات والمدارس وغياب التوزيع العادل للثروات والقضاء المستقل…

بيد أنه وأمام عدم تفاعل الحكومة مع مطالب حركة “جيل Z” واكتفائها فقط بإصدار بلاغ باهت وغير مجد في محاولة تهدئة المحتجين يوم الثلاثاء 30 شتنبر 2025 أي في اليوم الرابع من الانتفاضة الشبابية، سرعان ما تحول الحلم بالتغيير والإصلاح لدى غالبية المواطنين إلى كابوس مرعب، إثر اعتقال عدد كبير من المتظاهرين السلميين، حيث شهدت عدة مدن أعمال عنف وتخريب غير مسبوقة، وتحولت شوارعها الآمنة إلى ساحات حرب، لما شهدته من مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن، حيث استعمل فيها العنف المفرط من الجانبين، فضلا عن الرشق بالحجارة، إتلاف عديد الممتلكات العامة والمباني والسيارات الخاصة وإضرام النيران فيها بما في ذلك سيارات الأمن وغيرها، اقتحام ونهب محلات للمواد الغذائية وأخرى للملابس بشتى أنواعها، مما أدى إلى إصابة عدد من عناصر الأمن والمحتجين بإصابات بليغة ومتفاوتة الخطورة.

فما لا ينبغي أن يغيب عن أذهان قادة التحالف الحكومي الثلاثي وعديد المسؤولين الحكوميين والفاعلين السياسيين، ولاسيما أولئك الذين التزموا الصمت أمام تطور الأحداث، هو أن هذه الاحتجاجات لم تأت من فراغ، وإنما هي نتاج طبيعي لما تراكم من مشاكل وأزمات اجتماعية متوالية، في ظل السياسات العمومية الفاشلة التي لم تستطع تحقيق تطلعات المواطنين، وهي مؤشر قوي وواضح على أن الوضع بات أكثر تأزما من ذي قبل، ويفرض التعامل معه بكل ما يلزم من جدية ومسؤولية، حيث لا يعقل أن يتواصل سوء التدبير وتردي الخدمات الاجتماعية الأساسية وخاصة في قطاعي التعليم والصحة.

إننا نأمل في احتكام شبابنا إلى العقل وترجيح المصلحة العليا للوطن، من خلال إنهاء هذه الانتفاضة كما بدأت سلمية، بعد أن يتحقق ولو ذلك النزر القليل من المطالب المشروعة لحركة “جيل Z” في مرحلة أولى، وفي ذات الوقت نحمل كامل المسؤولية للحكومة التي أبت إلا أن تبرهن مرة أخرى ليس فقط على فشلها في تدبير الشأن العام، بل حتى في تدبير الأزمات. إذ لو أن رئيسها أخنوش سارع إلى احتواء الأزمة منذ بدايتها بدل الاستمرار في سياسة النعامة، ما كان للغضب الشعبي أن يستفحل، وما كانت الاحتجاجات لتخترق من قبل بعض المندسين والمجرمين…