قال أحمد بوز، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، إن الانخراط المفاجئ للإعلام العمومي وبعض وسائل الإعلام الخاصة في تغطية احتجاجات جيل “Z”، يعكس استجابة ظرفية تمليها تطورات الشارع أكثر مما يعبر عن تحول حقيقي في وظيفة الإعلام.
وأوضح بوز، في تحليله لتغطية قنوات الإعلام العمومي لأحداث احتجاجات “جيل زيد”، أن الإعلام العمومي الذي كثف مؤخرا من برامجه الحوارية والتحقيقات الميدانية، وفتح المجال أمام أصوات شبابية معبرة عن همومها، ظل ولسنوات طويلة بعيدا عن معالجة القضايا البنيوية الكبرى التي تعيشها البلاد، مثل التعليم والصحة والتشغيل والعدالة الاجتماعية.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية، أن هذا التحول السريع في الأداء الإعلامي لا يمكن فصله عن منطق التوجيه من الأعلى، مؤكدا أن الإعلام الذي يغيب في لحظات الركود، ويظهر فقط عند اشتداد الاحتجاجات، يؤدي دورا أقرب إلى تدبير الأزمات منه إلى ممارسة وظيفته كسلطة رابعة.
وأشار بوز إلى أن المغرب يزخر بصحافيين مهنيين قادرين على إدارة نقاشات عميقة وجادة، إلا أن القيود المفروضة على العمل الصحافي، إلى جانب الرقابة الذاتية، تعرقل أداءهم وتدفعهم إلى الاكتفاء بما هو مسموح، مضيفا أن استعادة الإعلام لدوره المجتمعي يتطلب جرأة مهنية وتحررا من الضغوط.
وفي سياق متصل، قارن بوز ما يحدث اليوم بما جرى خلال حراك 20 فبراير، حين استضاف الإعلام العمومي لأول مرة وجوها معارضة، بما في ذلك من تيارات راديكالية، دون أن يؤدي ذلك إلى انهيار المؤسسات أو المساس باستقرار الدولة.
وشدد بوز على أن اقتصار الإعلام على التفاعل مع اللحظات الاحتجاجية يضعف علاقته بالمواطن ويكرس أزمة ثقة متنامية، داعيا إلى مراجعة شاملة لوظيفة الإعلام العمومي، تجعله منصة دائمة للنقاش العام، لا مجرد وسيلة لامتصاص الغضب أو تحسين الصورة.
وخلص أستاذ العلوم السياسية، إلى التأكيد على أن إعلاما قويا ومستقلا هو أحد شروط بناء عقد اجتماعي جديد، يقوم على الشفافية والمساءلة والثقة، مشيرا إلى أن دور الإعلام لا يجب أن ينحصر في الترويج للشعارات الرسمية، بل في طرح الأسئلة الجوهرية ومساءلة السلطة عن مسؤولياتها.