أجمعت فرق الأغلبية بمجلس المستشارين على مشروعية المطالب الاجتماعية التي يطرحها الشباب المغربي ضمن ما يعرف باحتجاجات “جيل Z”، منوهة بأن هذه الاحتجاجات تعكس تطلعات “حضارية” إلى مغرب أفضل، ومحذرة في الوقت نفسه من جهات تسعى إلى “تأجيج الفوضى” واستغلال هذه المبادرات السلمية، مشددة على أن “من يطالب بالإصلاح لا يخرب”.
وأكد المستشارون على أن اللحظة تستدعي تغليب المصلحة الوطنية والابتعاد عن أي حسابات سياسوية ضيقة، داعين إلى عدم اتخاذ هذه الأحداث ذريعة لمهاجمة الحكومة أو التشكيك في مسار الإصلاحات الجوهرية التي شرعت فيها الحكومة. وأشاروا إلى ضرورة التواصل مع المغاربة والتعريف بالإنجازات التي تقوم بها الحكومة، مؤكدين بأن التقصير وغياب الضمير هو الذي جعل المواطنين غاضبين.
وفي هذا الإطار، أشار محمد البكوري، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار بمجلس المستشارين، خلال اجتماع لجنة الشؤون الاجتماعية لمناقشة عرض وزير الصحة والحماية الاجتماعية، أمين التهراوي، حول إصلاح المنظومة الصحية، ، أن الاحتجاجات التي شهدتها بعض المدن مؤخرا عبّر من خلالها الشباب المغربي بشكل حضاري عن قضايا اجتماعية ملحّة، أبرزها الصحة والتعليم.
واعتبر أن هذه المطالب مشروعة وتعكس تطلع الشباب إلى مغرب أفضل، لكنه في المقابل نبّه إلى خطورة استغلال هذه المبادرات السلمية من طرف جهات تسعى إلى تأجيج الفوضى والتشويش على مسارات الإصلاح، قائلاً: “من يطالب بالإصلاح لا يُخرب، ومن يتطلع لمستقبل وطنه لا يُدمر حاضره”.
وشدد البكوري على أن اللحظة تستدعي تغليب المصلحة الوطنية والابتعاد عن الحسابات السياسوية الضيقة، داعيا إلى عدم اتخاذ هذه الأحداث ذريعة لمهاجمة الحكومة أو التشكيك في عمل المؤسسات. كما نوّه بإرادة الحكومة في الانفتاح على الشباب والاستماع لمبادراتهم، مؤكداً أن النقاش السياسي يجب أن يرتكز على المسؤولية والوضوح، لا على بثّ اليأس أو تأليب الرأي العام ضد الدولة.
وبخصوص قطاع الصحة، أوضح البكوري أن المجلس ناقش هذا الملف في العديد من المناسبات، وأنتج مجموعة من القوانين الأساسية لإصلاح المنظومة الصحية. ولفت إلى أن هذه الولاية التشريعية وحدها شهدت التصويت على 19 نصاً قانونيا يهمّ هذا القطاع، من بينها قانون المنظومة الصحية الوطنية والقانون الدوائي، معتبراً أن هذه المجهودات تعكس جدية الحكومة في تنفيذ إصلاحات جوهرية رغم التحديات المتراكمة منذ عقود.
من جهته، دقّ عبد الكريم الهمس، رئيس فريق الأصالة والمعاصرة بمجلس المستشارين، ناقوس الخطر بشأن وضعية القطاع الصحي بالمغرب، مؤكدا أن موضوع الصحة بات يشكل له “عقدة نفسية” بسبب تكرار نقاشه دون رؤية نتائج ملموسة، داعيا إلى استحضار الروح الوطنية وتفعيل برامج الوزارة بشكل عملي ومستعجل، مع تشديد المراقبة على المشاريع الجارية.
وسجل الهمس أن الإكراه الأكبر الذي يواجه القطاع يظل هو الخصاص في الموارد البشرية، مشيرا إلى الحاجة إلى تكوين الأطباء وإعادة انتشارهم، أو خلق شراكات مع الجهات والجماعات لسد الخصاص. كما دعا إلى إدماج الخريجين الجدد من المدارس الخاصة الذين يتطوعون في المستشفيات، وتعزيز التحفيزات المالية لاستقطاب الأطباء المغاربة المقيمين بالخارج، مؤكدا أن “أزيد من 12 ألف طبيب مغربي في أوروبا يمكنهم العودة إذا تم تحفيزهم بالشكل الكافي”.
وانتقد الهمس تعطل التجهيزات في عدد من المؤسسات، خاصة أجهزة السكانير، مطالبا بصفقات خاصة لصيانتها وتوفير فرق تقنية لحل الإشكالات ميدانيا، مشددا على ضرورة احترام مسلك العلاج من طرف الجميع، وتكثيف المراقبة على المصحات الخاصة، بالإضافة إلى تحسين التواصل مع المواطنين، وتكوين حراس الأمن بالمؤسسات الصحية لضمان حسن سير المرافق الصحية.
من جانبه، اعتبر عبد السلام اللبار، رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس المستشارين، أن الاحتجاجات الشبابية والتعبيرات الغاضبة في الشارع المغربي تعكس وجود اختلالات حقيقية داخل وزارتي الصحة والتعليم، مضيفا أن “الخلل ليس في الوزراء كشخصيات، بل في المؤسسات العمومية التابعة لوزارة الصحة التي تعاني من أعطاب بنيوية”، داعيا إلى ضرورة التحلي بروح المسؤولية والضمير المهني من داخل الإدارة.
وأكد اللبار أن الشعب المغربي يشعر بالغضب لأن الخدمات الصحية لا تصل إليه، رغم كل ما يبنى ويعلن عنه من إصلاحات، مشيرا إلى مفارقات صارخة، كإيقاف تشغيل السكانير في المستشفيات العمومية لتشغيل “سكانير” مؤسسة مجاورة (في إشارة للمصحات الخاصة)، مشددا على أن الحل لا يكمن في بناء مستشفى جامعي في كل حي، بل في توفر إرادة حقيقية لتغيير الوضع، مضيفًا: “بنينا وخسرنا وسنبني، لكن ما فائدة كل ذلك إذا لم تصل الخدمة للمواطن؟”.
من جانبه، أوضح محمد زيدوح، المستشار البرلماني عن الفريق الاستقلالي، أن قطاع الصحة بالمغرب شهد خلال السنوات الأخيرة مجهودات واضحة، سواء على مستوى الميزانية أو البنية التحتية، مشيرا إلى ارتفاع ميزانية وزارة الصحة من 19 إلى 32 مليار درهم خلال أربع سنوات، وبناء 9 مستشفيات جامعية، وترميم أكثر من 900 مستوصف، إضافة إلى تحسين أجور مهنيي الصحة. غير أن هذه الإنجازات، يضيف زيدوح، لا يعرفها سوى من يوجد داخل القاعة أو في الوزارة، بسبب غياب التواصل الفعّال مع المواطنين في مختلف أنحاء البلاد.
وشدد زيدوح على أن التواصل والحكامة عنصران حاسمان في نجاح أي إصلاح، منتقدا غياب المراقبة المستدامة في عدد من المؤسسات الصحية، مستدلا بمستشفى مولاي يوسف بالرباط، الذي خصّصت له ميزانية مهمة، لكنه يعاني خصاصا في الأدوية والأوكسجين، حتى في قسم المستعجلات، داعيا إلى تعزيز المراقبة وتحسين جودة الخدمات، وضمان وصول المعلومة والخدمة بشكل فعّال ومنظم إلى كل المغاربة.
في سياق متصل، أكد عزيز بوسلخن، المستشار البرلماني عن فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب بالغرفة الثانية للبرلمان، أن الحراك الاجتماعي الأخير الذي شهده المغرب يعكس “واقعا صعبا وتطلعات مشروعة”، خاصة في ما يتعلق بالخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، مضيفا أن الاحتجاج السلمي حق دستوري يجب الإصغاء إليه بجدية، لكنه شدد في المقابل على أن العنف والتخريب مرفوضان ولا يخدمان قضايا الشباب. ودعا إلى عدم تحويل النقاش إلى “تبادل للاتهامات أو تسجيل النقاط السياسية”، بل جعله لحظة للمكاشفة والبحث عن حلول واقعية.
وبخصوص إصلاح القطاع الصحي، نوه بوسلخن بالأوراش الهيكلية الكبرى التي أطلقتها الحكومة، وعلى رأسها مشروع المجموعات الصحية الترابية (GST)، وإنشاء الوكالات الجديدة، وقانون الوظيفة الصحية، معتبرا أن هذه المبادرات “تستحق التنويه”. غير أنه شدد على أن نجاح الإصلاح يبقى مرهوناً بقدرته على تحسين الواقع اليومي للمواطن، داعيا إلى إطلاق حوار وطني مؤسساتي، وتفعيل إجراءات استعجالية لتحسين الخدمات، وضمان استدامة مالية للمنظومة، وتحقيق العدالة المجالية في الولوج إلى الرعاية، خاصة في العالم القروي.