أثار إعلان عدد من المهرجانات السينمائية المبرمجة في النصف الثاني من السنة الجارية عن فعالياتها نقاشا واسعا داخل الأوساط الفنية التي ركزت على ما وصف بـ”عشوائية” اختيار الأسماء المكرمة في هذه التظاهرات الفنية، و”غياب معايير واضحة وشفافة” تحكم عملية تكريم الممثلين والمخرجين.
وسجل عدد من المهتمين بالفن السابع تكرار الأسماء المكرمة نفسها بشكل لافت، إذ يكرم بعض صناع السينما في أكثر من مهرجان خلال العام الواحد أو لسنوات متتالية، في حين يتم تجاهل أسماء أخرى راكمت مسارا طويلا في الشاشة الكبيرة دون أن تحظى بالاعتراف المستحق.
وتتسع دائرة الجدل أكثر حين تشمل التكريمات أسماء لا تنتمي فعليا إلى الحقل السينمائي، بل تنشط أساسا في التلفزيون أو المسرح، رغم أن المهرجان يقدم على أنه سينمائي خالص، ما يثير تساؤلات داخل الأوساط الفنية حول” فوضى المعايير وتغليب العلاقات الشخصية والمحاباة على الكفاءة الفنية”.
وفي هذا السياق، انتقد الناقد السينمائي أحمد سيجلماسي عددا من المهرجانات الوطنية بعد إعلانها عن أسماء المكرمين، معتبرا أن القوائم تكاد تكون نسخة متكررة من السنوات الماضية، قائلا: إن “المشكلة لا تتعلق بفكرة التكريم في حد ذاتها، بل بغياب معايير مضبوطة وموضوعية تحكم عملية الاختيار، مما يجعلها أحيانا أقرب إلى مجاملة أو تكرار آلي لأسماء بعينها”.
وأضاف سيجلماسي أن المشهد السينمائي المغربي يزخر بعشرات الأسماء التي تستحق الالتفات إليها، من ممثلين ومخرجين ساهموا في بناء الصناعة السينمائية المغربية بصمت وإخلاص، دون أن يحظوا بفرصة تكريم أو اعتراف، داعيا إلى “إعادة النظر في فلسفة التكريم نفسها حتى لا تتحول إلى ممارسة شكلية”.
في المقابل، يرى الناقد السينمائي عز الدين الوافي، أن من حق كل إدارة مهرجان أن تختار المكرمين وفق رؤيتها الفنية وخصوصية التظاهرة التي تشرف عليها، معتبرا أن “التكريم يدخل ضمن صلاحيات إدارة المهرجان، ويبنى عادة على بروفايل الفنان ومساره الفني وثيمة الدورة، وليس بالضرورة أن يخضع لمنطق المداورة أو المحاصصة”.
ويضيف الوافي أن المسألة “تظل مفتوحة على الاجتهاد والتقدير الشخصي، وأحيانا تلعب الصدفة أو العلاقات الفنية والشخصية دورها في ترجيح كفة اسم على آخر، دون أن يعني ذلك بالضرورة وجود نية في الإقصاء”.
ورغم دفاعه عن حرية إدارة المهرجانات في اختيار المكرمين، شدد الوافي على أن “الاختيار ليس أمرا بسيطا، إذ يتطلب توافقا مسبقا مع المكرم واحترام خصوصيات كل مهرجان لتفادي أي إحراج، كما أن بعض الأسماء تفرض شروطا أو متطلبات خاصة قد تجعل التفاهم معها أمرا صعبا”.
ويتفق عدد من النقاد على أن مشكل التكريمات في المهرجانات المغربية لا يقف فقط عند حدود تكرار الأسماء، بل يتجاوزها إلى السطحية في مضمون التكريم ذاته.
ففي الوقت الذي يفترض أن يشكل التكريم لحظة ثقافية للتأمل في تجربة الفنان، من خلال ندوات أو عروض لأعماله أو شهادات في حقه، تتحول بعض المهرجانات إلى “حفلات بروتوكولية” سريعة تكتفي بتقديم درع وشهادة دون محتوى ثقافي مواز.
ويرى الوافي في هذا الصدد أن “المهرجان ليس نقابة ولا وكالة تأمين، بل محطة رمزية للاعتراف بقيم الجمال والإبداع”، مضيفا أنه لا يتفق مع المطالب الداعية إلى تخصيص مقابل مادي للمكرم، لكنه لا يمانع إذا سمحت امكانيات إدارة المهرجان في أن يكون هناك تكريما اعتباريا يرقى لمستوى المكرم وما بذله من عطاء، مشددا على ضرورة أن يتخلل ذلك “لحظات للحوار مع الفنان أو عرض لأبرز محطاته ومسيرته الفنية، حتى يصبح فعل التكريم ذا معنى ثقافي حقيقي”.
ويجمع مهنيون ونقاد على ضرورة أن يتم تقنين آلية التكريمات داخل المهرجانات الوطنية، عبر وضع معايير مؤسساتية واضحة، تتعلق بمسار الفنان وحضوره السينمائي الحقيقي، وعدد أعماله، وإسهاماته في تطوير الصناعة السينمائية، بعيدا عن العلاقات الشخصية أو الحسابات المحلية.