منتدى العمق

إعفاء الحكومة وحل البرلمان.. هل هو إسقاط لدستور 2011؟

خطاب العاشر من أكتوبر لجلالة الملك بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية الحادية، الكل او على الاقل من يتابع ما حدث من احتجاجات الشباب بالشوارع ، انتظر خبر إقالة الحكومة وحل البرلمان ويبدو أنها جرعة زائدة من التفاؤل ترسخت في عقول الكثيرين قبل الخطاب

بالعودة إلى الوراء وبالامس القريب، أغلب خطابات جلالة الملك في مناسبات مختلفة تميزت بالجرأة وتشريح الواقع المغربي سواء حين تكلم عن سوء تدبير الإدارة المغربية ودعاها إلى تجويد خدماتها، أو خطاب أين الثروة؟ ويبقى في اعتقادي خطاب العرش 2017 أو بما سمي بالزلزال الذي هز الطبقة السياسية آنذاك الذي جاء طبعا في سياق ما سمي بحراك الريف وما تلته من أحداث متسارعة من اهمها إعفاء بعض الوزراء والمسؤولين … يبقى اذن كما ذكرت الخطاب المهم والقوي في تاريخ المملكة

ان ما وقع من حماس زائد في نفوس من ظنوا أن الملك سيستجيب لمطالب بعض من رفعوا شعارات إسقاط حكومة أخنوش ،هو حماس لا يمكن أن يتحقق لأن المؤسسة الملكية مؤطرة بفصول دستور 2011 ،

فالفصل 96 من الدستور المغربي ينص على أن الملك يمكن أن يحل البرلمان بعد استشارة المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيسي غرفتي البرلمان، وهو ما يعني عمليًا إنهاء ولاية الحكومة القائمة بحكم أن البرلمان المنحل لم يعد قادرًا على منحها الثقة. وهذا معناه أيضا تنظيم انتخابات مبكرة على الأقل ستعقد في ظرف ستة أشهر على أبعد تقدير وتكليف بروفايلات تقنوقراطية لتدبير شؤون البلاد إلى حين تشكيل الحكومة المقبلة ، لكن السؤال المطروح لماذا يبدو هذا المخرج غير قابل للتحقق؟ لأننا وبكل بساطة مقبلون على انتخابات تشريعية السنة المقبلة، والحكومة نظريا وعمليا لم يتبقى في عمرها سوى ستة أشهر وبعد ذلك ستصبح حكومة لتصريف الأعمال، لكن السؤال المطروح أيضا لماذا سيفعل رئيس الدولة هذا الفصل استجابة لمطالب بعض المحتجين في حين أن حكومة بنكيران والعثماني واجهت نفس مطالب الرحيل سواء في الشارع أو من بعض المكونات الحزبية؟ ويبدو واضحا اذن أن المؤسسة الملكية إحترمت منطق الدستور وبقيت في مسافة بعيدة كل البعد عن هذه التفاصيل والتطورات حرصا على استقلالية المؤسسات وتوازن السلط

هذا من الناحية القانونية والدستورية ، لكن إذا تكلمنا بمنطق “الغليان” المفترض في الشارع بسبب الاحتجاجات التي تطالب بإصلاح قطاعي الصحة والتعليم وتوفير مناصب الشغل فهذه المطالب المشروعة بطبعية الحال تستوجب مسائلة علنية مباشرة للحكومة أمام نواب الأمة بالبرلمان تدعو لها المعارضة في جلسة تقديم ملتمس الرقابة على الحكومة، وهي خطوة أعدتها مكونات المعارضة قبل الاحتجاجات بأسابيع ولكن لم يكتب لها أن ترى النور بسبب ما تسرب من أخبار تفيد بأن ذريعة إلغاء الملتمس كانت بسبب خلاف وصراع بين المعارضة عن أحقية من سيلقي خطاب الملتمس، وهو ما بدى ربما للشارع بأن السياسة في هذا البلد السعيد لازالت تمارس بمنطق استعراض العضلات وخطف الأضواء وهي بعيدة كل البعد عن مصالح المواطنين، لذلك تدخل الشارع في محاولة لإسقاط حكومة أخنوش خارج منطق المؤسسات وهو ما رفضته بشكل غير مباشر المؤسسة الملكية بشكل واضح في مضامين الخطاب الذي انتصر لدستور 2011

لكن السؤال المطروح ماذا ربح الشارع من احتجاجات الشباب؟ وأين تجلى تفاعل الخطاب الملكي مع ما يعيشه الشارع؟

الجواب كان واضحا في أكثر من فقرة تضمنها الخطاب سواء بشكل مباشر أو غير مباشر ، واستحضر هنا فقرة من الخطاب: ” لقد دعونا في خطاب العرش الأخير إلى تسريع مسيرة المغرب الصاعد، وإطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية. وهي من القضايا الكبرى التي تتجاوز الزمن الحكومي والبرلماني.”
فالجالس على العرش وضع حدا لكل التخمينات والتأويلات ، بالتالي جاء الرد قويا على الشارع حينما أكد جلالته أن مسار التنمية الحقيقي يتجاوز أساسا البرامج الحكومية والأحزاب وخطابات المعارضة .

ماذا ربح الشارع أيضا من الاحتجاجات؟

إشارة جلالة الملك إلى أن المسؤولية ربما في التقصير التواصلي لا تتحملها الحكومة لوحدها بل أيضا البرلمان الذي من المفترض أن ينوب عن الأمة وكذلك مختلف المؤسسات المنتخبة فضلا عن الإعلام والمجتمع المدني

فهذا في نظري من أهم مداخل الإصلاح المقبل أو لنسميه تقويم الإعوجاج الذي وقع حينما وجدت الحكومة والبرلمان معها في جزيرة بعيدة عن واقع ومطالب الشارع ،فحتى زمن الاستجابة لنداء المحتجين جاء متأخرا وخرج بطريقة “مستفزة “نوعا ما، فما معناه أن تخرج الأغلبية في إجتماع وسط قاعة كبيرة والكل نزع عنه سترة البدلة واكتفوا فقط بالقمصان البيضاء، وبدى الاجتماع انه يعد لخلطة سحرية ستكون جاهزة فور إنتهاء الإجتماع وسيقدمها رئيس الحكومة للشارع وسيتنهي الغضب ” ويا دار ما دخلك شر ”

إذن التقصير التواصلي كان واضحا قبل وأثناء وبعد اندلاع “الأزمة “، فخرجة رئيس الحكومة على القناتين الأولى والثانية” كانت غير موفقة” وفق رأي الشارع والمحللين ، وليست في سياقها السياسي والاجتماعي المناسبين، فبالتالي رئيس الحكومة ربما تحيط به دائرة ضيقة من الحزب تملي عليه الشكل التواصلي الحزبي كما تريد طمعا في كسب نقاط انتخابوية وترويجها بشكل قبلي على منصات التواصل الإجتماعي قبل موعد الحملة الانتخابيةالرسمية ، ونسيت هذه الدائرة أن للحكومة شكل آخر من أشكال التواصل خاصة إذا تعلق الأمر بصورة من يتحمل قيادة سفينة الأغلبية

السؤال المطروح اليوم ، هل من حق رئيس الحكومة أن يراسل التلفزيون العمومي للحديث مع الرأي العام الوطني؟ نعم بلا شك القانون يتيح له هذه الإمكانية

فرئيس الحكومة السابق مثلا عبد الإله بنكيران خلال ولايته الأولى استغل هذا الامتياز المشروع، فخرج في 100 يوم الأولى من تنصيب حكومته ليشرح التدابير التي اتخذها في سياق آنذاك كان موسوما بغلاء الأسعار في بعض المواد الأساسية وهو الذي اعترف بأن طلب الحديث مع الرأي العام جاء بناء على طلب مؤسسة رئاسة الحكومة، ثم بعدها بقليل عقد لقاء ثان مع الإعلام العمومي، والخرجة الثالثة أيضا خص بها قناة ميدي١ الخاصة ،ووسط هذه الخرجات لم يفلت بنكيران فرصة استغلال التواصل مع الاذاعات الخاصة والقنوات الأجنبية…

إذن جيل الشباب الذي خرج للشارع ربح أيضا عودة صوته للإعلام العمومي الذي يقدم خدمة عمومية مجانية للمواطنات والمواطنين، فكان للقناة الثانية نصيب وافر من إتاحة المرور للشباب إلى جانب الفاعلين السياسين خاصة في برنامج ” نكونو واضحين” مع الزميل جامع كلحسن، ومن هنا نستطيع القول بأن الشباب اقتحم بشكل سلمي الشاشات الصغيرة داخل البيوت والهواتف وأوصل رسالته وإن كانت بكثير من اللوم المشروع ، لكن على الأقل كشفت عن تنصل مباشر لبعض مكونات الأغلبية التي أصرت على تأكيد حضورها في البلاطو بقبعة الفاعل الحزبي وليس بمظلة الأغلبية الحكومية الجاهزة للتواصل مع الرأي العام ومقارعة الأفكار بالحجج

فحتى ان كان هناك تقصير محتمل فالاعتراف يبقى فضيلة وفرصة للمصالحة مع جيل من الشباب سئم من خطابات التسويف ولغة الخشب المستهلكة ، لذلك لاحظنا أن القناة الثانية كانت متنفسا ديمقراطيا للشباب استطاعت امتصاص جزء من الغضب في ظل شبه الغياب المسجل لبعض مؤسسات الوساطة… لذلك تبرز الحاجة الملحة إلى ضرورة إنعتاق وتحرر أكبر للمشهد الإعلامي العمومي لكي يلعب دوره الأساسي في التأطير ومراقبة التوجهات الاستراتيجية لسياسات الدولة وليست أهداف الحكومة المرحلية، وهو ما يمكن فهمه ضمنيا حينما تكلم جلالة الملك عن إعطاء عناية خاصة لتأطير المواطنين ، يكون الإعلام فيها طرفا إلى جانب المؤسسات المنتخبة…

خلاصة القول أن التفاؤل المشروع في ما ينتظره المواطن من مغرب الغد يبقى رهينا أيضا بما ينتظره الوطن من مواطن الغد، فالشارع خرج ليعبر عن ضيق في التنفس السياسي ، وعن فقدان الثقة في كل المؤسسات سواء المنتخبة أو الدستورية وهو ما نتج عنه صدام وإصطدام خلف عنفا مرفوضا كما حصل في إنزكان، ،أكادير، القليعة، اولاد عميرة سيدي بيبي، سلا …لذلك كان من الطبيعي جدا أن تتحرك مؤسسات الدولة بثقلها لإعادة الأمور إلى وضعها الطبيعي حتى لا تظهر في صورة الضعف التي حاول أصحاب النوايا السيئة إظهارها في ظرف وجيز، لكن المخطط الاجرامي سرعان ما تم تطويقه حفاظا على الصرخة السلمية كما بدأت واستمرت ثم توقفت في يوم يخاطب فيه جلالة الملك المؤسسات والمواطنين

ما يمكن استنتاجه من الخطاب الملكي ، أن التغيير متاح في قنواته الرسمية المعترف بها ويتجلى ذلك طبعا عبر العملية الانتخابية وفي صناديق الاقتراع فهي الحكم الفصل لمعاقبة الناخبين والوعود والبرامج الانتخابية، ورب ضارة نافعة، فمن يدري أن العزوف الانتخابي المسجل قد يغيره الشارع الغاضب عن طريق التصويت العقابي، ومن يدري أيضا لربما الذي وقع سيكون فرصة لإصلاح القوانين الإنتخابية حتى نحافظ على ركيزة الخيار الديمقراطي ، وهي فرصة أيضا لإعداد جيد للانتخابات المقبلة وهي العملية التي تشرف عليها وزارة الداخلية بتكليف من عاهل المملكة.

* سفيان البوعزاوي، صحافي استقصائي ومهتم بالشؤون السياسية