تصوير ومونتاج: أشرف دقاق
قدم الباحث في التاريخ والتراث المغربي البرتغالي، أبو القاسم الشبري، قراءة شاملة في تاريخ قبائل دكالة وأصولها العرقية والحضارية، مبرزا العمق التاريخي لهذه المنطقة الغنية جغرافيا وثقافيا، ومكانتها في تشكّل الهوية المغربية على امتداد العصور.
وأوضح الشبري في حديث مع جريدة “العمق”، أن دكالة تُعد من أقدم المناطق المأهولة في المغرب، وأنها كانت في الأصل تمتد جغرافيا من ضفاف نهر أم الربيع إلى تخوم تانسيفت، قبل أن تعرف تحولات إدارية وتاريخية أفرزت انفصال مناطق كعبدة وغيرها لأسباب اجتماعية وسياسية واقتصادية.
وأكد الباحث المغربي، أن “الأرض الدكالية أرض منبسطة خصبة على امتداد البصر، مما جعلها منذ القدم موطنا مفضلا للاستقرار البشري والفلاحة”، مشيرًا إلى أن نهر أم الربيع الذي ينبع من الأطلس المتوسط ويصب قرب أزمور، شكّل محورا حيويا في حياة السكان.
وفي عرضه للأبعاد التاريخية، بيّن الباحث أن الاستيطان البشري في دكالة يعود إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث كشفت التنقيبات الأثرية – رغم قلتها – عن مواقع مهمة أبرزها مغارة الخنزير، التي تعد من أقدم الشواهد على وجود الإنسان في المنطقة.
وأضاف أن دكالة عرفت تطورا عمرانياً تدريجيا منذ العصور القديمة، مرورا بالفترة الفينيقية ثم العهود الرومانية، رغم أنه شدد على أن “الرومان لم يستقروا في دكالة، بل عبروا منها فقط في طريقهم نحو الجنوب”.
وانتقل الشبري للحديث عن الفترة الإسلامية، موضحا أن مع الفتح العربي بدأ تفاعل حضاري جديد بين السكان الأمازيغ والعرب، وأن “العنصر العربي لم يأت كمحتل، بل جاء بالإسلام، ثم استقر لاحقا خلال عهد الموحدين في مناطق استراتيجية عبر سياسة استيطان موجّهة”.
وأبرز المتحدث، أن أغلب العرب الذين جاؤوا في تلك الحقبة كانوا من الشباب الذين استقروا في المغرب وتزاوجوا مع النساء الأمازيغيات، ما أفرز “إنساناً مغربيا جديدا، يحمل الدم العربي والأمازيغي معاً”.
وشدّد المتحدث على أن الهوية المغربية هي نتيجة تمازج حضاري وثقافي بين عناصر متعددة، منها الأمازيغ والعرب والفينيقيون والرومان والأفارقة والأندلسيون، مضيفا أن “من الخطأ اختزال أصل المغاربة في عرق واحد، لأن المغرب عبر تاريخه كان فضاء مفتوحا للتلاقح والاندماج”.
واعتبر أن هذا التنوع هو ما جعل المغرب “فسيفساء ثقافية وإنسانية فريدة”، مشددا على أن “القيمة الحقيقية تكمن في الاندماج والوحدة الوطنية تحت راية الوطن والدين والملك”.
كما تطرق الباحث إلى الأصول اللغوية والرمزية لأسماء مدن دكالة، مبينا أن معظمها ذو جذور أمازيغية، مثل أزمور التي تعني الزيتون البري، وتسيفط وتازوتا التي ترمز للبناء الحجري الجاف الفريد من نوعه في المنطقة. ولفت إلى أن آخر مدينة نشأت في دكالة هي الجديدة، المعروفة قديما باسم مزيغان في المصادر القديمة والخراط الأوروبية.
كما دعا الشبري إلى الاعتزاز بالانتماء المغربي المتعدد الروافد، مبرزا أن “كل مكونات المجتمع المغربي – أمازيغا، عربا، أفارقة ويهودا – يشكّلون نسيجا واحدا يجمعه الإسلام والوطن والولاء للملك”.
وأضاف أن فهم هذا التنوّع ينبغي أن يقود إلى “تعزيز قيم التسامح والعيش المشترك، لا إلى التفرقة أو ادعاء النقاء العرقي”، مؤكدا أن دكالة تمثل نموذجا مصغّرا لهذا التعدد الذي صنع تاريخ المغرب وهويته الراسخة.