وجهة نظر

بين صوت الشارع وإرادة الإصلاح: مسؤولية مشتركة لبناء مغرب جديد

لقد أثبتت الأحداث الأخيرة أن الدولة المغربية استمعت جيداً إلى صوت الشارع، خاصة إلى حركة الشباب المنتمي إلى جيل Z، الذي عبّر بطرق حضارية وسلمية عن مطالبه المشروعة في العدالة الاجتماعية، وتحسين التعليم والصحة، وضمان الكرامة وفرص الشغل. والأهم من ذلك أن الدولة لم تتعامل مع هذه المطالب بمنطق الرفض أو التجاهل، بل اعترفت بوجود اختلالات ونقائص، وأكدت أحقية الشباب في التعبير والاحتجاج السلمي في إطار القانون.

إلا أن احتجاجات الشارع والمطالب التي يلح عليها المغاربة لا يجب أن تُنسينا قضيتنا الوطنية الأولى، التي تبقى أولى الأولويات، وتفرض علينا جميعاً اليقظة والحذر، ومواصلة التصدي لمخططات ومؤامرات أعداء الوحدة الترابية، وعلى رأسهم النظام الجزائري الحاقد الذي يتحكم فيه كبرانات العسكر. فالتحديات الداخلية، مهما كانت، لا يمكن أن تُنسينا واجب الدفاع عن وحدة الوطن واستقراره وأمنه القومي.

ومع حفاظنا على هذا الوعي الوطني، يبقى من الضروري مواصلة الإصلاح الداخلي، لأن قوة الجبهة الوطنية تنبع أساساً من قوة جبهتنا الداخلية وتماسك مؤسساتنا، فالوطن القوي هو الذي يُصلح أوضاعه الداخلية ويُحصّن وحدته الخارجية في آنٍ واحد.

وهذا في حد ذاته تحول إيجابي في طريقة تفاعل الدولة مع المجتمع، إذ أصبح الحوار بديلاً عن الصمت، والاعتراف مقدمةً للإصلاح. غير أن من واجبنا، كمواطنين وفاعلين، أن نكون منطقيين وموضوعيين، وأن نقر بأن إصلاح كل شيء في رمشة عين أمر غير ممكن، لأن التغيير الجذري لا يتحقق بالشعارات ولا بالعواطف، بل يتطلب رؤية، وتخطيطاً، وآليات فعالة، وزمناً معقولاً للتنفيذ.

ومن أجل ترجمة إرادة الإصلاح إلى واقع ملموس، فإن الخطوات التالية تمثل أولويات عاجلة لأي مشروع وطني جاد:

1. إصلاح المنظومة القانونية: فالقوانين هي العمود الفقري لأي إصلاح. يجب تحيين النصوص المتقادمة، وتبسيط الإجراءات الإدارية، وضمان العدالة في تطبيقها. إصلاح القانون هو أول خطوة لبناء الثقة بين المواطن والدولة.

2. إرساء آليات ديمقراطية نزيهة: لا يمكن أن نحقق تنمية حقيقية دون مؤسسات تمثيلية قوية. يجب تنظيم انتخابات شفافة تفرز كفاءات حقيقية، مع محاربة شراء الأصوات وكل أشكال الفساد الانتخابي. فصندوق الاقتراع لا يكون له معنى إلا حين يكون نزيهاً.

3. تعيين الرجل المناسب في المكان المناسب: وهو مبدأ جوهري طالما دعا إليه المغاربة. لا يمكن لأي إصلاح أن ينجح إذا بقيت المسؤوليات توزّع بمنطق الولاءات بدل الكفاءات. التعيين المبني على الكفاءة والنزاهة والجدارة يجب أن يكون قاعدة لا استثناء.

4. تشجيع الكفاءات النزيهة ومحاربة الإحباط: إن الشباب المغربي يمتلك طاقات هائلة، لكنه يحتاج إلى بيئة محفزة تُقدّر الجهد، وتكافئ المبدع، وتفتح الأبواب أمام من يملك الكفاءة والإرادة. فالأمم لا تنهض إلا حين تفتح الطريق أمام أبنائها النزهاء.

5. تفعيل مبدأ المساواة في التعامل مع الأحزاب: على الدولة أن تقف على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية، لأن الحياد الإيجابي هو شرط الثقة في المؤسسات، وضمان لحرية الاختيار الشعبي.

ولعل ما يحتاجه المغرب اليوم أكثر من أي وقت مضى هو إرادة سياسية قوية تُترجم في الميدان، وتواصل صادق مع المواطنين يشرح لهم حدود الإمكانيات ويشركهم في صناعة القرار، حتى يشعر الجميع بأنهم شركاء في الإصلاح لا مجرد متفرجين عليه.

إن صوت الشارع كان جرس إنذار إيجابي، أعاد للدولة والمجتمع بوصلة الوعي والمسؤولية. فالإصلاح لا يمكن أن ينجح إلا حين تتلاقى الإرادة الرسمية مع الإرادة الشعبية، وحين يتحول الاحتجاج إلى اقتراح، والغضب إلى طاقة بنّاءة.

في النهاية، فبين صوت الشارع وإرادة الإصلاح، يبقى الوطن هو الرابط المقدّس والمسؤولية المشتركة التي توحّد الجميع لبناء مغرب جديد، يليق بشبابه، ويحفظ كرامة مواطنيه، ويستثمر في مستقبله.