وجهة نظر

جيل المونديال: جيل الإنجاز المونديالي والنضال من أجل المغرب الصاعد

حين أعلن المغرب عن استضافته المشتركة لكأس العالم 2030، لم يكن الحدث مجرد إنجاز رياضي، بل كان لحظة رمزية تختزل طموح أمة بأكملها في التحديث والانفتاح والريادة. غير أن السؤال الجوهري الذي يفرض نفسه اليوم هو: من هو الجيل الذي سيلعب المونديال بالمغرب؟ هل هو جيل مستعد فعلا لرفع راية الوطن في الملاعب وتكريس التفوق الكروي للمغرب، وفي الوقت نفسه يدعمه جيل واع يناضل من أجل تعليم عمومي جيد، وصحة كريمة، وعدالة اجتماعية تحفظ كرامة المواطن؟

أعتقد أن شبابنا يجب أن يشكل قوة جيل يجمع في ساحة المونديال بين الحلم الكروي والطموح الوطني في مغرب التنمية والحرية والكرامة والعدالة.

إن جيل المونديال، أو جيل المستقبل القريب، ما هو إلا أبناء اليوم الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و18 سنة، وهم الذين سيتحولون بعد خمس سنوات إلى شباب يمثلون المغرب في الميادين الرياضية، والاقتصادية، والاجتماعية.
لكن المونديال، في جوهره، ليس فقط حدثا رياضيا، إنه مشروع حضاري يتطلب جيلا مؤهلا صحيا، مثقفا ومتعلمًا، ومتشبعا بقيم المواطنة. فبدون تعليم حديث، وتربية بدنية سليمة، ونظام صحي فعال، لا يمكن لهذا الجيل أن يكون في مستوى التحدي العالمي.
وهنا تصبح الخدمات العمومية ميدانا آخر للنضال وتسجيل الأهداف.

إذ بينما يستعد المغرب لبناء الملاعب والفنادق والبنى التحتية، يبرز سؤال آخر لا يقل أهمية عن طموحنا المشروع في الإنجاز الرياضي، والمتمثل في: هل منظومة الخدمات العمومية تسير بنفس الوتيرة؟ ليس فقط من أجل المواطن، بل لأن المونديال سيكون لحظة اختبار لمقومات النموذج التنموي الجديد.
وهنا يغدو جيل المونديال أيضا جيلا للمدارس العمومية والمستشفيات والمراكز الثقافية. فكيف يمكن إعداد أبطال في بلد ما تزال فيه المدرسة العمومية تعاني الاكتظاظ، والمستشفيات تعرف نقصا في الموارد، والشباب يواجهون صعوبة في الولوج إلى العمل اللائق؟

من هنا، يصبح النضال من أجل الخدمات العمومية شكلا من أشكال التحضير للمونديال، لأن بناء الإنسان هو الشرط الأول لبناء أي إنجاز وطني مستدام.

هذه المعركة الوطنية تقتضي تملك الوعي الجديد بالنسبة لجيل الغد، بمعنى أن جيل المونديال ليس مجرد فئة عمرية، بل وعي جماعي جديد يتكون اليوم وسط تحولات رقمية وثقافية عميقة.
إنه جيل يتابع السياسة عبر “تيك توك” و”إنستغرام” ومختلف تطبيقات الذكاء الاصطناعي، يعبر عن رأيه في الشارع كما في الفضاء الرقمي، ويتساءل عن العدالة، والفرص، والمساواة.
هذا الجيل لا يريد فقط أن يصفق في المدرجات، بل أن يكون شريكا في القرار، مشاركا في التنمية، مدافعا عن المدرسة والمستشفى والبيئة.

وبالتالي نحن في حاجة إلى انتقال سلس بروح شبابية من الملاعب إلى المرافق العمومية، فهي معركة واحدة، والرهان الحقيقي ليس فقط في من سيسجل أهدافا في كأس العالم، بل في من سيبني مغربا عادلا وشاملا يبقى بعد رحيل المونديال.

وعليه، فجيل المونديال مطالب بأن يربط بين الحلم الرياضي والنضال الاجتماعي، بين الفوز في الميدان والكرامة في الحياة اليومية. فكما يحتاج اللاعب إلى ملعب مجهز، يحتاج المواطن إلى مستشفى لائق، ومدرسة حديثة، ومرافق تليق بكرامة الإنسان المغربي.

وختاما، وبعبارة أدق، جيل المونديال هو جيل المستقبل، جيل يحمل القميص الوطني في الملاعب، ويرفع صوته في الميادين الاجتماعية من أجل مغرب متوازن، لا يفصل بين الرياضة والتنمية، ولا بين البطولة والعدالة.
إن إعداد هذا الجيل مسؤولية الجميع: مسؤولية الدولة، المدرسة، الأسرة، الأحزاب، والمجتمع المدني… لأن المونديال الحقيقي ليس فقط في الملعب، بل في قدرتنا على بناء إنسان مغربي حر، واع، ومناضل من أجل الخدمات العمومية كحق لا امتياز.