آخر أخبار الرياضة

محمد وهبي.. المدرس الذي قاد “أشبال الأطلس” نحو مجد المونديال

في كرة القدم، لا تُقاس العظمة دائما بعدد البطولات، بل بقدرة الشخص على إحداث أثر يُغير المسار، والمدرب محمد وهبي هو أحد أولئك الذين اختاروا الطريق الأصعب: طريق البناء في صمت، وصناعة الأمل من تفاصيل العمل اليومي. فمن فصول التعليم في بلجيكا إلى مقاعد التدريب في كأس العالم، كتب وهبي فصلا فريدا في تاريخ الكرة المغربية الحديثة.

من مقاعد الدراسة إلى ملاعب الحلم

وُلد محمد وهبي في السابع من شتنبر عام 1976 بمدينة بروكسيل البلجيكية، من أصول مغربية، ليحمل منذ البداية هوية مزدوجة بين الدقة الأوروبية والشغف المغربي. بدأ حياته المهنية معلما في مدرسة شارل بولس، قبل أن يأخذه شغفه بالكرة إلى عالم التدريب، عبر نادي ماكابي فوت، الذي كان بوابته الأولى نحو حياة جديدة ستقوده لاحقًا إلى قمة الهرم الفني في أندرلخت البلجيكي.

التحق وهبي بأكاديمية أندرلخت عام 2003، وبدأ من القاعدة، مدربا لفئات تحت 9 سنوات، ثم تدرج عبر مختلف المستويات حتى أشرف على فريق تحت 21 سنة. وخلال 17 عاما داخل أسوار النادي، صقل مهاراته وتكون فكره الكروي على أسس علمية، مستفيدا من ثقافة التكوين التي جعلت من بلجيكا أحد أقوى مراكز صناعة اللاعبين في أوروبا.

مُهندس جيل بلجيكي ذهبي

لم يكن وهبي مجرد مدرب فئات سنية، بل أحد مهندسي الجيل البلجيكي الذهبي، فقد ساهم في تكوين أسماء لامعة مثل يوري تيليمانس وعدنان يانوزاي وشارلي موسوندا وليندر ديندونكر.

وفي عام 2015، حقق إنجازا لافتا حين قاد شباب أندرلخت إلى نصف نهائي دوري أبطال أوروبا للشباب، متفوقا على أندية عريقة مثل برشلونة وبورتو. نجاحه اللافت قاده للعمل كمساعد للمدرب الألباني بسنيك هاسي مع الفريق الأول، ليبدأ بذلك مرحلة جديدة من الاحتراف.

العودة إلى الجذور.. حلم مغربي بطابع أوروبي

بعد تجربة قصيرة في الفتح السعودي رفقة البلجيكي يانيك فيريرا، قرر وهبي العودة إلى وطنه الأم عام 2022، ليبدأ تجربة جديدة كمدرب لمنتخب المغرب تحت 20 عاما.

القرار لم يكن سهلا، فوهبي كان يُدرك أن التدريب في المغرب يعني مواجهة التحديات بعينين مفتوحتين. لكنه آمن بأن الأوطان لا تتطور إلا حين يعود أبناؤها بخبراتهم ليزرعوا بذور المستقبل.

وفي ظرف وجيز، أعاد تشكيل هوية “أشبال الأطلس” بأسلوب عصري يمزج بين الانضباط التكتيكي الأوروبي والمهارة المغربية الفطرية.

من وصافة إفريقيا إلى مجد العالم

في بطولة إفريقيا بمصر، قاد وهبي المنتخب المغربي إلى الوصافة بعد أداء بطولي توّج بحضور لافت في النهائي أمام جنوب إفريقيا، لكن الحلم الأكبر كان في كأس العالم للشباب في تشيلي، حيث كتب وهبي اسمه بحروف من ذهب، عندما قاد المغرب إلى لقب تاريخي بعد مشوار إعجازي تخلله الفوز على منتخبات كبرى مثل إسبانيا والبرازيل وفرنسا والأرجنتين.

فلسفة مدرب يعرف أن العمل لا يُرى بالعيون فقط

يؤمن محمد وهبي بأن كرة القدم الحديثة تبدأ من الفكر والانضباط قبل الموهبة. لذلك حسب المحللين فوهبي يعتمد في عمله على ثلاث ركائز، وهي: الهدوء والتوازن النفسي، بالاضافة إلى الانضباط التكتيكي والمرونة الذهنية، ثم الثقة الكاملة في الشباب وقدرتهم على التعلّم والنضوج.

أما خارج الملعب، فيُعرف وهبي بتواضعه وأخلاقه العالية وابتعاده عن الأضواء، مؤمنًا بأن النجاح لا يحتاج ضجيجًا، بل عملاً صادقًا يُثمر حين يحين وقته.

من المعلم إلى صانع الأجيال

اليوم، لا يُنظر إلى محمد وهبي كمدرب فحسب، بل كرمز لجيل جديد من العقول المغربية التي تمزج بين العلم والشغف، بين التأطير الأوروبي والروح المغربية الأصيلة.

رحلته من مقاعد التعليم إلى مدرجات المجد هي قصة ملهمة عن رجل علّم أبناء وطنه كيف يحلمون… وكيف ينتصرون بالهدوء والعقل قبل الأقدام.