في تصريحٍ “تاريخيٍ “،لمُدير الشركة الوطنية لتسويق البذور، تعليقاً على قرار مؤسسته بإلغاء عقد الإشهار الذي يجمعها بجريدة أخبار اليوم ،إعتبر السيد [كريم غريط] ،بكُل اطمئنانٍ ،أن السبب في ذلك يعود “إلى عدم توافق النظرة التجارية للشركة مع الخط التحريري للجريدة، وإن الشركة لا يمكنها التعامل مع جريدة تحركها أهداف مغايرة، وتتحكم فيها أجندات معينة “مُضيفاً بنفس النّبرة الواثقة ” لا يمكننا أن نربط صورة الشركة بجريدة لا تتماشى مع توجهاتنا التجارية!”.
ربط التّصريح بسياقه القريب، المُتمثل بتعامل الجريدة مع قضية صندوق تنمية العالم القروي الذي أصبح الآمر بالصرف في ملاييره الخمسة والخمسون هو وزير الفلاحة عوضاً عن رئيس الحكومة ، يُوضح بلا أدنى شك، أن في الحكاية شُبهة إنتقام سياسيٍ ناعم ،التجأ بشكلٍ مفضوحٍ إلى سلاح الإشهار لمعاقبة خط تحريريٍ لجريدة مُستقلة.
نائب وجدة، وقيادي العدالة والتنمية، عبد العزيز أفتاتي، تقدم بسؤالٍ كتابيٍ في هذا الشأن، مُوجها لكلٍ من وزيري الفلاحة ووزير الاتصال، الأول بحكم وصايته وإشرافه على شركة “سوناكوس”، والثاني بحكم مسؤوليته عن قطاع الاتصال والصحافة، مُعتبراً أن هذه المُقاولة التّابعة للدولة “يجب أن تقوم بمهامها المنوطة بها بعيدا عن الصراعات السياسية، ولا يجب أن يتم توظيفها لضرب الصحافة التي تعد ركنا أساسيا من أركان النظام الديمقراطي”.
من جهته الصحافي والسِياسي عبد الله البقالي، كتب، الجُمعة الماضية، عن الموضوع في زاويته اليومية بجريدة العلم، معتبراً ما وقع بشأن إلغاء عقد الإشهار الذي يجمع “سوناكوس” بجريدة “أخبار اليوم “سابقةً في تاريخ الممارسة الإعلامية في بلادنا بالنظر إلى علاقة هذا القرار بحرية التعبير في بلادنا.
المُؤكد أن التصريح الغرائبي لمُدير “سوناكوس”، والذي يليقُ بجمهوريات الموز ، مُجرد مؤشرٍ بسيطٍ على الفضائح الخيالية التي تُخفيها “العقلانية” المُفترضة للنخب التكنقراطية، وهي تمارس “التدبير العُمومي الجيد”، في علاقة بقطاع الإشهار.
مدير “سوناكوس” لم يَقُم -مشكورا- سوى بفضح التّخلف والزبونية واللامهنية والمزاجية، التي تُدبر بها أجزاء من المال العام، من طرف مسؤولين عموميين، أو مسؤولوا مؤسسات أو مقاولات عمومية.
هذه الفضيحة تُعيد للواجهة، سؤال حرية التعبير في علاقة بالأسلحة الجديدة/القديمة التي تُواجهها، و سلاح صنبور الإشهار، ليس سوى واحداً منها.
نعرف جيداً كثير من العناوين بلا هوية ولا قراء، استطاع الدعم الإشهاري أن يضمن لها حياة بلا مشاكل، وفي المقابل كثيرة هي الصحف الجادة والمُعبرة عن حساسياتٍ ضروريةٍ للتعدد، لم تستطع مقاومة السوق تحت تأثير منعها غير المُعلن من حصص الإشهار.
ويعرف الصحافيون داخل غُرف التحرير، أن بعض “أباطرة ” سوق الإعلانات؛ من مدراء بعض المقاولات الاستراتيجية أو شركات الاتصال، يتحولون إلى “أسماء مُقدسة” لاتحتمل الخطأ والنقد والمساءلة، لأنها تملك بواسطة الإشهار قرار حياة أو موت المُقاولات الإعلامية القائمة في الغالب على نموذج اقتصادي هش.
اليوم، وتفعيلاً لمبادئ الشفافية والحكامة والمحاسبة، يحتاجُ الرأي العام لمعرفة معايير توزيع الاشهار من طرف القطاعات العمومية، لذلك من وجهة نظري فالأستاذ عبد الله البقالي، الذي يجمعُ قُبعتي نقيب الصحافيين والبرلماني، فضلاً عن النائب الأستاذ عبد العزيز أفتاتي، الذي ينتمي إلى واحد من فرق الأغلبية، يملكان الموقع المناسب للدفاع على تأسيس لجنة تحقيق نيابية في قضية توزيع المؤسسات والمقاولات العمومية لمُخصصات الإشهار، على الصحافة الوطنية.
هذه الفضيحة لايجب أن تمر!