حوارات

خبير: أياد خفية وراء تزايد ظاهرة “الحريك” بالمغرب .. وعودتها غير بريئة

اعتبر أستاذ الجغرافية السياسية بجامعة السلطان مولاي سليمان والمهتم بقضايا الهجرة محسن إدالي في حوار مع جريدة “العمق”، أن عودة ظاهرة الهجرة السرية بالشواطئ المغربية عودة مريبة وغير بريئة وتحركها أيادي خفية، وأضاف المتحدث أن هذه العودة هي عودة إعلامية بالدرجة الأولى لأن الظاهرة حسب توصيفه ليست وليدة اليوم، وهي ممتدة في الزمان والمكان إلا أن الاهتمام والتسويق الإعلامي، حولها في الأونة الأخيرة إلى قضية تحظى باهتمام الراي العام المغربي خاصة على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي ما يلي نص الحوار:

في الأسابيع الأخيرة عادت ظاهرة الهجرة السرية بالمغرب وبشكل قوي إلى الواجهة، ما تفسيركم لهذه العودة في هذا التوقيت وبهذه الوثيرة؟

لا يمكن بأي حال الوقوف على عودة ظاهرة الهجرة السرية، دون الإشارة إلى كونها عودة غير بريئة باستحضار الزمان والظروف كما أن هناك من يقف وراءها ويدعمها، وهي عودة إعلامية بالدرجة الأولى حيث سلطت الأضواء عليها وتركز النقاش حولها وهو الأمر الذي جعلها مركز اهتمام من طرف الرأي العام وموضوعا أساسيا في التداول الافتراضي على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، لكن هذا لا يمنع من طرح تفسير آخر خاص بمعطيات سياسية وجيواستراتيجية، مرتبطة بصراع خفي بين العديد من الدول الأوروبية التي ترى أن مصالحها قد تضررت من السياسات الأوروبية الجديدة في مجال الهجرة، خصوصا الدول التي تعتمد على العمالة الخارجية في اقتصاداتها المحلية وعلى رأسها إسبانيا الذي عرف قطاعها الفلاحي تضررا بفعل النقص على مستوى اليد العاملة.

تبقى الإشارة إلى أن هذه المعطيات تبقى أولية إذ أن الحكم والتفسير النهائي سابق على أوانه اليوم لكن الذي تأكدنا منه أنها مرحلة جديدة لإعادة توزيع ورسم الأدوار في المنطقة ومرحلة جديدة في التعاطي السياسي مع ملف الهجرة خاصة من طرف الاتحاد الأوروبي.

إلى أي حد يمكن تفسير وربط ظاهرة الهجرة السرية بالعوامل الاجتماعية: الفقر/ الهشاشة البطالة..؟

ليس هناك تفسير بقدر ما هناك ارتباط، على اعتبار أن نفس الوضعية السوسيواقتصادية ونفس الإشكالات الاجتماعية نجدها في العديد من الدول والمناطق الحدودية لكن مع ذلك لا نسجل نفس الوثيرة على مستويات الهجرة غير الشرعية كما يحدث شمال المغرب، لكن هذا لا يعني تغييب البعد المرتبط باختلالات النماذج الاقتصادية، والتوترات الأمنية، وعدم قدرة الدول على الضبط الاجتماعي والأمني، ناهيك عن غياب مرتكزات الحياة الكريمة من حرية وانفتاح والقيم الإنسانية الكبرى التي تساهم في تثبيت الأفراد مجاليا.

فالفقر إذن والإقصاء والهشاشة معطى مركزي دافع لكنه ليس الوحيد المفسر لتغول الظاهرة، بل ينضاف إلى عوامل أخرى منها الاستبداد والاضطهاد، وغياب الإحساس بالكرامة، وغياب جو الحريات والحقوق وقيم المواطنة فضلا عن قوة الجذب التي تتميز بها الدول المستقطبة للهجرة

البعض يربط عودة الهجرة السرية بمناورات سياسية واستغلال لورقة الهجرة لتحسين وضعه التفاوضي مع شركائه حول بعض القضايا الاستراتيجية للمغرب؟ ما تقييمكم لهذا التحليل؟

فعلا أصبحت الهجرة ورقة ضغط ذات حساسية جيواستراتيجية على مستوى العلاقات الدولية، ومن الخطأ الاعتقاد بغير ذلك، فجميع الدول اليوم تراهن على ورقة الهجرة في خطابها السياسي ودليل ذلك ما نلاحظه اليوم في المشهد السياسي الأوروبي حيث أضحت الهجرة ورقة ثابتة في جدول أعمال الأحزاب السياسية وورقة رابحة يثم استغلالها في الحملات السياسية إما مع أو ضد فنلاحظ كيف تلعب الأحزاب اليمينية المتطرفة الأوروبية في معارضتها للسياسات الحكومية على خطاب التخويف من الهجرة والمهاجرين وكيف تصرف خطاب الترهيب من ضياع الديموقراطية الأوروبية بسبب الهجرة والمهاجرين، ومثال ذلك خطاب الجبهة الوطنية في فرنسا، وخطاب الرئيس الأمريكي واليمين المتطرف في هولندا وغيرها، إذن فالثابت أن الهجرة كانت ولا زالت ورقة سياسية رابحة بشكل عام، أما فيما يخص ربط الهجرة بالمناورات السياسية للمغرب فمن الأكيد كغيره من البلدان يسعى لتوظيف الملف والإفادة منه ما أمكن، خاصة في ما يتعلق بتحسين صورته كرائد إقليمي في تدبير قضايا الهجرة والمهاجرين، وكذلك استثماره للهجرة كورقة ضغط حول عديد القضايا المطروحة للنقاش والتفاوض مع جيرانه في الشمال، وهي القضايا المصيرية الوطنية وعلى رأسها ملف الصحراء، واستثمار الملف كذلك في الجهود الديبلوماسية وتقوية خيار التوجه نحو العمق الإفريقي،

هل يمكن الربط بين العودة القوية للهجرة السرية وبين النقاشات المتداولة مجتمعيا حول الخدمة العسكرية الإجبارية وغيرها؟

أولا ينبغي التأكيد كما سبق وأن ذكرت أن الهجرة السرية باعتبارها ظاهرة اجتماعية هي بطبيعتها مركبة وبالتالي العوامل المساهمة في صناعتها متعددة ومتغيرة ومتنوعة، كما أنها ليست وليدة اللحظة أو أنها ظاهرة طارئة بل لها تاريخ وممتدة عبر الزمان والمكان ومتغيرة بتغير المجال، لذلك فربطها ببعض النقاشات الدائرة اليوم كالخدمة العسكرية الإجبارية ارتباط نسبي فيمكن أن يكون هناك تأثير وعلاقة نسبية لكن الأكيد أن الظاهرة سابقة على الإعلان عن قانون الخدمة العسكرية وبالتالي لا ينبغي أن ننساق وراء النقاشات التي تشهدها وسائل التواصل الاجتماعي والتسويق الإعلامي لهذا الربط الميكانيكي

عرفت سنة 2018 هجرة جماعية وكبيرة للأطر المغربية، كيف تفسرون ذلك وما هي تداعيات هذه الهجرة على التنمية عموما بالمغرب؟

صحيح تعد هجرة الكفاءات أو ما يصطلح عليه بهجرة الأدمغة من الظواهر المؤرقة والإشكالية التي ينبغي التنبه لها وكما ذكرتم و بحسب الإحصائيات فقد عرفت سنة 2018 زيادة في نسبة هذا النوع من الهجرة والسبب في نظري يرجع إلى قوة الجذب في الاقتصادات الأوروبية وكذلك المحفزات الكبيرة التي ترصد للكفاءات والامتيازات المرصودة من الناحية الاجتماعية وهذا في اعتقادي أمر طبيعي فلا أحد من الكفاءات قادر على الاشتغال في جو لا يسمح بالإبداع والخلق ولا يتوفر فيه الحد الأدنى من ظروف الاشتغال، وبالتالي فالمنطق البراغماتي حاضر بقوة إذ أن الكفاءات تبحث عن إمكانيات وظروف أحسن من التي يوفرها العرض الاقتصادي والاجتماعي المغربي ومن الطبيعي أن هذا النوع من الهجرة هو مكلف جدا من الناحية الاقتصادية فالدولة تستثمر في هذه الطاقات فالإطار أو المهندس أو الطبيب …. الذي يكون من أموال الدولة لكن في الأخير يختار وضع كفاءاته وطاقاته رهن إشارة دول أخرى يعد هدرا حقيقيا للتنمية والتقدم في البلد لذلك كان لزاما على الدولة والحكومة أخذ هذا المعطى بعين الاعتبار في سياساتها العمومية وقفا لهذا النزيف في صفوف الكفاءات والأدمغة.