وجهة نظر

مغرب 2021- (ج 3)

(الابتهاج بالحرب ميزة في الجندي، وخاصية خطيرة في القائد، وجريمة نكراء في رجل السياسة) جورج سانتايانا

طرحنا في المقالين السابقين بعنوان “مغرب 2021″، تقديرنا السياسي لهذه المرحلة، وأكدنا على ضرورة فتح نقاش حولها، كي لا تتحول إلى محطة انتخابية صرفة، ولكن لتصبح كذلك لحظة سياسية بامتياز، يتم فيها خلق نقاش مشترك، هادئ ورزين، من أجل الإسهام الجماعي في إخراج المغرب من أزمته الاقتصادية والسياسية.

ومن خلال هذا التصور، نطرح من جديد السؤال التالي: كيف سيتعامل حزب الأصالة والمعاصرة مع هذه المحطة؟ أو على الأصح، كيف يجب أن يتعامل معها؟

أعتقد أن حزب الأصالة والمعاصرة، منذ خروجه إلى الوجود، ظل “وجوده” عند البعض مشكلة، وليس موضوعا سياسيا للنقاش، لذلك تعامل معه هؤلاء بعداء مبدئي ودوغمائي، ربما دفاعا عن الذات، وليس بقراءة نقدية لمشروع سياسي، أو بتقدير موضوعي، علما أن الساحة السياسية لا يحتكرها أحد، ولا يملكها تيار دون غيره، ولن يتحكم فيها أي كان لوحده، إذ كل ذلك مخالف للديمقراطية وطبيعتها.
إن رفض البام أو قبوله، ما كان يجب أن يكون أصلا موضوع نقاش ذاتي، مادام مجرد مشروع سياسي مفروض عليه عاجلا أو آجلا الخضوع إلى نفس القواعد التي تخضع لها القوى السياسية الأخرى، ومن تم سيكون قضية سياسية كغيره، تقارب بأدوات تقييم موضوعية لقوانينه ومواقفه وبرامجه، لذلك نجد أن الكثير من الانزلاقات والتصرفات نقلت الموقف السياسي من حزب الأصالة والمعاصرة كوجود إلى التموقف منه كمسيرة سياسية، وذلك بانحراف إضافي، إذ تم ذلك ليس انطلاقا من المواقف السياسية للحزب، ولكن فقط من تصرفات بعض قيادييه، إذ في تغييب رؤية إيديولوجية واضحة، أو بناء تصور نظري عقلاني وموضوعي، جعلت تصرفات بعض قياديي الحزب مبنية على ردود أفعال، و أحيانا يتحكم فيها نوع من المزاجية المبنية على التصرفات الشخصية والعلاقات الغريبة لبعض هؤلاء القيادات مع قيادات سياسية في أحزاب أخرى، فأصبحت أساس بناء المواقف السياسية للحزب، وهذا لم يسء إلى صورة الحزب فقط، ولكنه أساء إلى صورة الساحة السياسية برمتها.
لذلك مطلوب اليوم من حزب الأصالة والمعاصرة أن يبني مواقف سياسية مبدئية براكماتية، تسعى إلى الأهداف الأساسية منها:

أولا: بناء مواقف واضحة تعزز التجربة الديمقراطية، وتكرس التمسك الجماعي بالثوابت، في احترام تام للقوانين، والأخلاق السياسية، وقبول سياسي متبادل مع الأطراف الأخرى.
ثانيا: الاجتهاد في تقديم اقتراحات في المجال الاقتصادي والاجتماعي، بشكل مفتوح يسمح بإيجاد فضاء مشترك يلتقي فيه مع جميع القوى السياسية والاقتصادية، ليحتضن الخلاف حول البرامج والأفكار، وليس تبني المواقف القبلية الجاهزة المبنية على الثنائية الدينية والدنيوية، أو التحكم والشرعية التاريخية، أو حتى المزايدة حول الولاء للملكية، لكون هذه المرتكزات هي عناصر مشتركة بين الجميع، وليست عناصر خلافية من حيث المبدأ.
ثالثا: أن يكون البام حزبا فاعلا في بناء توافق وطني، وعنصرا إيجابيا في تأسيس التحالفات، وليس قوة لتصفية الحسابات السياسية، أو لصنع عداء سياسي جماعي ضد هذه القوة السياسية أو تلك ما دام الجميع يشتغل في ظل الثوابت، أي ألا يكون مصدر توتر سياسي ولكن طرفا في حوار وطني.

رابعا: إن مرحلة توهم تموقع الحزب عاليا في الشرفة السياسية، يطل منها على باقي الأحزاب في الأسفل، هي مرحلة تصور مغلوط، وغرور سياسي يرفضه الواقع، ويضعف الحزب، وأتبتت المعطيات أن هذا الاعتقاد مجرد رسم كاريكاتوري يوجد في ذهن البعض، وعلى حزب الأصالة والمعاصرة أن يدرك أن له نفس المسافة التي للأحزاب الأخرى مع الديمقراطية ومع الثوابت.

خامسا: إن اليد الممدودة لجميع الأحزاب هي القنطرة الصلبة التي توصل إلى مدلول الحداثة والمعاصرة، وأن الأصالة هي الأساس الفعلي لبناء علاقات إيجابية، ليس فقط مع الثوابت ولكن كذلك مع جميع القوى السياسية، فالأصالة أخلاق، والحداثة والمعاصرة استشراف للمستقبل بشكله الإيجابي، وإيجابية هذا المشروع تكمن في ضرورة تملكه بهذا المنطق، وأن اعترافه بشرعية الغير هو إتبات ضمني بشرعية وجوده. ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل يستطيع حزب البام أن يلم كل هذا الزخم الإيجابي ليذهب به إلى محطة 2021 من أجل المساهمة في بناء هذه المرحلة الجديدة؟

أعتقد أن ذلك لن يتم إلا بإعادة بناء الذات، وتنقيتها من الشوائب، وممارسة النقد الذاتي بشكل جريء وشجاع، فإعادة بناء الذات أعقد من بناء مشروع جديد، فهي تحتاج إلى قدرة كبيرة على إدارة نتائج سلوكات وإرث الماضي، وبناء مسلكيات أفضل للمستقبل.

تعليقات الزوار