وجهة نظر

هل يعتبر العفو على هاجر الريسوني مجرد تكتيك سياسي؟

أصدر الملك محمد السادس عفوا ملكيا على الصحفية هاجر الريسوني المعتقلة بمعية زوجها وطبيب توليد النساء وطاقمه، وذلك على خلفية اتهامهم ب “الإجهاض غير القانوني”، حيث اعتبر القرار تجسيدا “لرأفة ورحمة” الملك اتجاه هذه القضية. لكن يبدو أن لهذا العفو في الحقيقة أهدافا أخرى، إذ يسعى إلى تحقيق مكاسب على نطاق أوسع.

يكمن أحد الأهداف الأولى لهذا القرار في إنهاء عزلة النظام، وتجنّب استمرار الهجمات الإعلامية ضد الممارسات التضييقية التي ينتهجها. فلقد أدى نفي هاجر الريسوني – والمجموعة المعتقلة معها – لكافة الاتهامات الموجهة لهم إلى بروز نقد شديد اللهجة من طرف وسائل الإعلام المحلية والدولية، في وقت كان فيه النظام المغربي يتعرض للنقد من طرف منظمات حقوق الإنسان ضدا على الاعتقالات التي يمارسها في حق الصحافيين والنشطاء المدنيين. ومن جهة أخرى، فإنه كثيرا ما اُنتقدت الأسلوب المتشدد التي تُطبق بها السلطات القانون الجنائي، باعتباره وسيلة لممارسة التضييق السياسي على المعارضين والصحفيين الجريئين.

من المؤكد أن قضية هاجر الريسوني كان لها صدى واسع، ذلك أنها صحفية تشتغل مع جريدة مغربية بارزة “أخبار اليوم” ومؤسسها الصحفي المعتقل توفيق بوعشرين، الذي حُكم عليه بخمسة عشر سنة نافذة على خلفية اتهامه بالإتجار بالبشر، واستثمار سلطته بهدف الاستغلال الجنسي، وهي الاتهامات التي نفاها مؤكدا أن دوافعها سياسية بامتياز.

تحوم كذلك شكوك حول أن دوافع اعتقال الريسوني له علاقة بعملها كصحفية، وبارتباطاتها العائلية. وهي رهن الاعتقال، كتبت الصحفية هاجر الريسوني رسالة تصف فيها ظروف استنطاقها بخصوص كتاباتها السياسية، وحول علاقتها العائلية لا سيما بعمّيها: أحمد الريسوني، وهو رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والصحفي البارز سليمان الريسوني، وهو منتقد لاذع للسلطة. وأكثر من ذلك، فلقد اتَّهم محامي الصحفية الشرطة بممارسة التعذيب عليها.

الغضب العام المتزايد
أما الهدف الثاني من وراء هذا العفو فيكمن في إنهاء حالة الاحتقان والغضب العام المتزايد ضد الدولة بشأن انتهاكاتها المتزايدة ضد الحريات الفردية والعامة. فلقد أثار هذا الحادث تعاطفا واسع النطاق على وسائل التواصل الاجتماعي، وخلق إجماعا نادرا بين مختلف القوى الاجتماعية حول هذه القضية، كما أدان كذلك معظم الفاعلين في مجال حقوق المرأة والنساء وكذا الإسلاميون هذا الاعتقال. وشنّت ليلى سليماني، وهي كاتبة مغربية فرنسية، بمعية صونيا تراب حملة على الإنترنت باسم hors la loi (خارجات عن القانون)، والتي تهدف إلى إلغاء المادة 490 من قانون العقوبات الجنائية الذي يجرّم العلاقات الجنسية الرضائية، بحيث تضاعفت التوقيعات على الحملة متجاوزة أكثر من 12 ألفً توقيع في غضون أيام قليلة.

وفي الوقت ذاته، أطلقت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، وهي أكبر منظمة غير حكومية لحقوق الإنسان في المغرب حملة تضامن مع هاجر الريسوني داعيةً إلى الاحتجاج أمام البرلمان. ولم تصدر الانتقادات من طرف النشطاء المستقلين فقط، بل ظهرت كذلك أصوات منددة من داخل النظام نفسه؛ فلقد انتقد المجلس الوطني لحقوق الإنسان (CNDH) باعتباره الهيئة الرسمية لحقوق الإنسان، الهجمات الإعلامية على هاجر الريسوني وحثّ السلطات على إطلاق سراحها فورا. كما أعرب الأمير مولاي هشام، ابن عم الملك، عن قلقه بشأن مستقبل حرية التعبير في المملكة.

.

وأخيرا، فإن الهدف الثالث الذي يسعى النظام إلى تحقيقه يتمثل في محاولته القضاء على أي فرصة قد تزيد من التفاهم بين الجماعات العلمانية والإسلامية؛ حيث أدّت التعبئة الاجتماعية حول القضية، وإن كان ذلك عن غير قصد، إلى التقارب بين الإسلاميين والعلمانيين. ورغم رفضها للإجهاض والعلاقات الجنسية قبل الزواج فلقد تبنّت الحركات الإسلامية مواقف لصالح هاجر الريسوني.

من جهتها، أدانت جماعة العدل والإحسان على لسان واحد من قادتها هذه الاعتقالات معتبرا إياها تهدف إلى “الانتقام من المعارضين وأصحاب الرأي والصحفيين“. فيما اعتبر منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية قريبة من حزب العدالة والتنمية، أن اعتقال هاجر غير قانوني ودعت إلى إطلاق سراحها فورا. كما نظّمت حركة التوحيد والإصلاح القريبة أيضا من حزب العدالة والتنمية ندوة حول الحريات الفردية حيث انتقدت محاولات السلطات التضييق على الحريات العامة.

ورغم أن الخلافات بين هذه التيارات مستمرة فيما يتعلق بالحريات الجنسية والفردية، إلا أنهم اتفقوا جميعهم على أن اعتقال هاجر الريسوني يعد بمثابة انتهاك لحرية التعبير وتضييقا على الحريات الفردية. ودعت القوى العلمانية إلى إلغاء هذه المواد في قانون العقوبات وتحديداً المادة 490 التي تحد من الحريات الجنسية والفردية، في حين ينتقد الإسلاميون استخدام الحريات الفردية للحد من الحريات العامة.

من المثير للاهتمام أن بعض هذه القوى الاجتماعية قد بدأت فعلا التنسيق فيما بينها بخصوص هذا الموضوع، بل إن اجتماعات قد قيل إنها عُقدت بين هذه الأطراف من أجل تنسيق الجهود بخصوص هذه القضية.

وبإطلاق سراح الصحفية هاجر، فقد تمكن النظام من استعادة سلطته وأعاد دفة الأحداث لصالحه، حيث أثنت وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الإعلامية على مبادرة العفو الملكي، والأهم من ذلك أن هذا الحدث لم يغير لحدود الساعة من القانون الجنائي الذي بقي على صيغته الحالية بدون تغيير.

مباشرة بعد خروج الصحفية هاجر الريسوني من السجن، فقد بدأت الخلافات تطفوا مرة أخرى بين الإسلاميين والعلمانيين، خصوصا عندما كتب أحمد الريسوني مقالة ينتقد فيها الحريات الفردية، وهو الأمر الذي أثار حفيظة التيارات العلمانية الذين انتقدوه بشدة.

في المحصلة، وتحت ضغط الإسلاميين والعلمانيين والعالم بأسره، فقد تبيّن أن استراتيجية النظام وفعالة للغاية، بحيث استطاع بلوغ أهدافه المتعددة بقتله ثلاثة عصافير بحجر واحد.