منتدى العمق

الصحافة في المغرب.. يسهل الهدم لكن يصعب البناء

يبدو الحديث عن واقع الصحافة في المغرب مغامرة حقيقية، بل رهان فاشل بالنظر إلى عدم اعتماد منهجية موضوعية في التعاطي مع ما يعتمل في حقل الإعلام؛ منهجية يعنيها توضيح فاعلية الصحافة في مجتمع ما زالت تحكمه توجسات تصنعها سياقات الفعل السياسي، وتوجهه آلة ” إعلامية ” مصنوعة خارج البنية التاريخية للتطور السيروراتي لمفهوم الإعلام.

شروط كثيرة تُغرب الممارسة الإعلامية، كما تدفع للتشاؤم من مستقبل الصحافة، ومن رهاناتها التي يفترض أن تتصل وجوديا بالمجتمع الديمقراطي، وبآفاق التنمية الكلية التي تنشدها الذوات البشرية في السيرورة الصيروراتية، حيث الصحافة وتحديدا الصحافة المستقلة هي الاختيار الحقيقي الذي ينعش مجاري الأمل لدى فئات عريضة من المجتمع، وخصوصا لدى المشتغلين في حقل الإعلام، والمرتبطين بعشق الحرية في الكتابة، طبعا من منطلق دمقرطة حرية الرأي والتعبير.

قد تختلف مواقع الدفاع عن الوطن، والانشغال بهموم وقضايا المواطنين، كما قد تختلف منهجية التعاطي مع إشكالات المجتمع، لكن المشترك يجب أن يكون هو خدمة الوطن، والذود عن المكتسبات الحقوقية والدستورية، في نطاق قواعد العيش المشترك، وتحت يافطة الأسس الثابتة التي يجتمع حولها المغاربة، والتي لا تحتمل المزايدات وسط زحام التأويلات الضيقة، بالنظر إلى كون تطلعات الحاضر تتجاوز الارتباطات التاريخية “الخاوية”.

هكذا يكون سؤال الإعلام حلقة أساسية ضمن فلسفة الإصلاح المجتمعي، ومدخلا جوهريا لتأكيد الخيار الديمقراطي، وتنزيل شروط دولة الحق والقانون.

إن النفاذ إلى مجتمع الديمقراطية يمر عبر ترسيخ قيم الحرية والعدالة وحقوق الإنسان، والصحافة المستقلة هي بمثابة مرآة عاكسة لحجم تغلغل الفكر الديمقراطي في ” السيستيم” السياسي، ليس على مستوى الظاهر المكشوف حيث المراهنة على الواجهة الشكلية لتلميع الصورة، وإنما في سياق عمق الاختيار الذي لا يمكن أن ينفصل عن مبدأ الحرية في الرأي والتعبير، وهذا الفهم يحمي تلقائيا معنى الديمقراطية، كما يحمي الأصول والثوابت المتفق حولها دستوريا.

الإقرار بدور الإعلام المستقل، وبإسهاماهته الكبيرة في مجالات عدة، يفرض الانتقال من وضع الريبة إلى وضع الاعتراف، وبضرورة تمكين الصحافيين من حقهم الوجودي في المواكبة والمساءلة والتتبع، والتعامل معهم على أساس المسؤولية المشتركة، أما الركون لأساليب تشويه صورة الصحافي وتحقيره، بل والنيل من حريته وكرامته.. لن ينتج سوى مزيدا من التقهقر، وكذا أشكالا من السخط المجتمعي، على اعتبار أن المراهنة على إعلام “الواجهة” لا يعدو كونه صورة من صور التخريب، وفي هذه الحالة يكون من السهل الهدم، لكن يصعب جدا إعادة البناء.. وبلغة الفلسفة تقول الفيلسوفة الألمانية حنّا أرندت :” يمكن التدمير لكن يصعب البناء”.

*أستاذ فلسفة وإعلامي