وجهة نظر

النخب السياسية الإنتهازية

الانتهازية هي السياسة والممارسة الواعية للاستفادة الأنانية من الظروف ،مع عدم المبالاة و الاهتمام بالمبادئ أو العواقب التي ستعود على الآخرين. وأفعال الشخص الانتهازي الوصولي هي أفعال نفعية تحركها بشكل أساسي دوافع المصلحة الشخصية.

الانتهازية، صارت صفة ملازمة للعمل السياسي، لا يمكن أن تذكر إلا وتتبادر إلى الأذهان أولا ساحة السياسة ومناوراتها. حتى إذا بحثت عن معنى الكلمة في القواميس ومحركات البحث ستجد أنها ترتبط أول ما ترتبط بالسياسة، على الرغم من أنها في معناها الواسع لا تقتصر على توصيف السياسة وحدها.

قد يتصف بالوصولية و “السلوك الانتهازي” وزير ، مسؤول رفيع او إنسان عادي و بسيط. وقد يكون الانتهازي إسلامي أو علماني أو قومي أو يساري أو اشتراكي، وقد يكون أيضا مثقف أو كاتب أو شاعر أو أديب أو فنان أو رياضي أو إعلامي، فجميع مفاصل المجتمع معرضة للسقوط في شباك هذا المرض الفتاك.

الانتهازي السياسي يمارس السياسة كوسيلة لتحصيل المغانم ، ليس له مبدأ ثابت ولا طريق واضح، يتلون كما تتلون الحرباء، مع تميزه باللعب في العبارات والتناقض في التصريحات، والاضطراب في المواقف ، فهو مع الريح السائد والغالب، موقفه متذبذب لا يستقر إلا وفق هواه ونظرته القاصرة.

يستخدم وصوليته لإرضاء نزواته العابرة و المزاجية ، لبلوغ هدفه. ولأنه هدفه لا يتحقق بالطرق العقلانية والقانونية و الأخلاقية، فإنه لا يجد أمامه من حيل التمكين سوى أن يكون كائنا وصوليا، يتملق إلى الأسياد ، يختزل الجهد، يحرق المراحل، يختصر المسافات، يوظف المقدسات، يشعل الفتن و النعرات، ويدوس على الأخلاق والأخلاقيات.

مواقفه السياسية والايدلوجية شيء مؤقت ومتلون ، يغير موقفه السياسي والفكري حسب تغيير مصلحته ، يغير موقفه من الأشخاص الآخرين حسب تغير تلك المصلحة أيضا، وهذا هو القانون الذي يحكم علاقاته بالاخر.

لايهمه شئ بعد ان تخلى عن القيم والمبادئ ، والتقولب بقوالب مختلفة حسب الحاجة والظروف الآنية التي تتطلبها اي مرحلة من المراحل حتى لو تنافت مع مفاهيمه، والتأطر بإطار جديد ، وبالتالي يتيح لنفسه استخدام أساليب النفاق والتملق والتزلف ، لصاحب القرار و التقرب لصاحب الشأن وكسب وده ، والإطراء والمبالغة بالمدح بما لا يستحق ، والانتقاص من الآخرين وخصومتهم وبغضهم ، والتحريض ضدهم والاستعلاء عليهم للوصول إلى القمة على حساب جراحات وآلام الآخرين!! مستعملا سياسة الوصاية وإقصاء الآخر واحتقار جهوده، بنظرة فئوية ضيقة.

يبني خطابه السياسي على الشعار وليس على المشروع. بمنطق نفعي لا يسمح بتوسيع أفق النظر إلى أولويات الوطن. فالوطن، وإن كان حاضرا بشكل متواتر في الخطاب السياسي للوصولي، إلا أن حضوره يكون، في الغالب، إيديولوجيا تبريريا وليس مبدئيا.

الانتهازي السياسي يبحث عن السلطة السياسية لإدامة هيمنته ، في استراتيجية تدميرية تجهز على ما في السياسة من مبدئية. ولا يهم إن كانت النتيجة في النهاية هي إدخال المجتمع في نفق مسدود، ووضع الوطن على خط النـــــار.

الحقل السياسي المغربي حابل بهكذا نماذج ، لسياسيين متلونين وتجار مواقف يغيرون مواقفهم كما يغيرون ملابسهم ،دوافعهم الحقيقية مادية نفعية وانتهازية بحتة ، عقليتهم المكيافيلية هي التي دفعتهم الى تغيير مواقفهم طمعا في الوصول الى السلطة او البقاء فيها. يكثرون خصوصا إبان الإنتخابات ، كتجار الأسواق يبحثون عن المواقع والتزكيات، ولو أدى بهم ذلك إلى دفع الأموال والتنكر لمبادئهم لكسب رضى القيادات الحزبية التي يلجؤون إليها.

ان المغرب يحتاج الى سياسيين حقيقيين أصحاب مواقف ثابتة تنطلق من هويتنا وعقيدتنا الإسلامية, فلا تخضع للمجاملات الدبلوماسية ولا تتغير بعد المناسبات الانتخابية ولا بالضغوط او التبريرات الواقعية او البراغماتية. فتجار المواقف والمتلونون المتحولون من النخب الفكرية والسياسة والإعلامية هم أكبر نكبة ابتليت بها الأمة منذ عقود .

كم نحن بحاجة في زمننا للثبات على المبدأ، والاستقامة على القيم، فهي الحصانة من التلون والانتكاس والمراوغة.

امام المغاربة محطة انتخابية مهمة ” 2021″ وعلى أساسها على الناخب ان يعرف ما يريد وان يقطع مع ثقافة بائدة ” بيع صوته” للانتهازيين و الوصوليين، الذين لا هم لهم سوى مصالحهم الشخصية و حساباتهم البنكية.

” الشعب الذي ينتخب الفاسدين والانتهازيين والمحتالين والناهبين والخونة، لا يعتبر ضحية، بل شريكا في الجريمة. “جورج أورويل.

تعليقات الزوار