منتدى العمق

تشابه الهجرة

قبل شهور قليلة ساد اليأس و الفوضى مجموعة من الأحزاب، وهي ثنائية انصبت عليها عيون الراغبين بشدة في مغادرة حزبهم، سريعا كقطع الدومنو.

كُثر هم أبناء الحزب و متعاطفون معه لكن الوقت المتبقي قليل. و هو ساعة الصفر ليوم الإقتراع المزمع في أيلول سبتمبر من هذا العام.

من ذاك الوقت تسعى مجموعة من الأحزاب في استقطاب أعضاء من أحزاب آخرين حاملين معهم كما يصفونه مشعل التغيير والديمقراطية، ومنددين في الوقت ذاته بسياسة الآذان الصماء في أحزابهم، و حاملين معهم إرثا قديما من الحزب إلى حزب آخر.

وكل شيء هنا قيد التشكُّل حقيقة واحدة راسخة هي الفوز في الانتخابات، حيث هناك برزخ يقع بين عالمين، هنا عالم الإقتراع حيث المغادرون سراعا و خفافا أعضاء و متعاطفون يلوحون بأوراق الإستقالات، يشيرون إلى علاقة كانت يوما مع الحزب ولم تعد، وكل شيء ذهب مع الريح وتلاشى.

وعالم الحزب الآخر الوارث ما تركه الذاهبون الذين يبحثون عن ذواتهم الجديدة من تكون؟ هؤلاء تركوا كل شيء ربما لن يكفوا عن التربص بهم في كل شيء.

من هنا استذكرت رواية موسم الهجرة إلى الشمال التي شكلت منعطفا هاما في حياة الطيب صالح وقعت صاحبها في مصاف الكتاب العالميين، فأحداثها تتشابه مع

ما ذكرت سابقا حيث تتحدث عن التقاء حضارتين في شخص واحد وهو سوداني يسافر إلى اوروبا حاملا بجوانبه إرثا عن الشرق و الفحولة.

حيث يسافر طالبا ثم تتطور الأمور و يصبح محاضرا في جامعة بريطانية.

يتبنى قيم المجتمع البريطاني، والعلاقة هنا بين السوداني في اوروبا ليست علاقة رومانسية كما عالجها الأدب العربي من قبل بل هي قائمة على الصراع بين حضارتين.

هي ذات القيم التي يتغنى بها المغادرون أحزابهم أو اولئك الذي رجعوا إلى حضن أحزابهم السابقة، “نحن بمقاييس العالم الصناعي الأوروبي، فلاحون فقراء، ولكنني حين أعانق جدي أحس بالغنى، كأنني نغمة من دقات قلب الكون نفسه.”

في الرواية عاد السوداني بعد غربة إلى قرية لا يعرفه فيها أحد و أراد مرة أخرى العيش بقوانين مسقط الرأس لكنه لم يفلح، ترى هل سيفلح هؤلاء مع أحزابهم الجديدة؟

وما أشبه اليوم بالبارحة فالكل تعهد بالتنمية والديمقراطية الحزبية الناشئة بالرعاية بوصفها صمام أمان ضد الفساد.

النهايات في الرواية كما لدى هؤلاء متروكة للخيال.

في الرواية توفيت زوجته السودانية قاتلة مقتولة حيث دخل الراوي إلى الغرفة ذاتها التي بدأ بها و قد أكله الندم لأنه لم ينقذ المرأة التي استأجرت به الغرفة ذاتها التي بدأت بها لكنه لم يرى في المرآة غير صورته هو، قد بلغ الإنفصام مداه، تتلاشى الصورة بعد أن أشعل عود ثقاب.

نهاية المغادرين ووعودهم أمل بغد أفضل سيترك إلى ما بعد يوم الإقتراع.

ومن هنا نقتبس ما قاله الكاتب “إنني أريد أن آخذ حقي من الحياة عنوة.أريد أن أعطي بسخاء، أريد أن يفيض الحب من قلبي فينبع ويثمر. ثمة آفاق كثيرة لابد أن تزار، ثمة ثمار يجب أن تقطف، كتب كثيرة تقرأ، وصفحات بيضاء في سجل العمر، سأكتب فيها جملاً واضحة بخط جريء”.

لكن التاريخ لن يكون رحيما أيضا مع هؤلاء وإن فازوا بولاية جديدة، فأسئلة اليوم هي ذاتها أسئلة الأمس؟ ولسان حالهم يقول كما جاء في لسان الراوي “سنكون كما نحن، أناس عاديين وإذا كنا أكاذيب فنحن أكاذيب من صنع أنفسنا”.

ما هم فاعلون بالشعارات التي يدفعونها كل خمس سنوات؟ وأي معادلة ستنشأ بينهم و بين من انتخبهم؟