في مقال له، أبرز أستاذ الجغرافيا السياسية، مصطفى يحياوي، الأسباب الحقيقية التي دفعت روسيا لغزو أوكراينا، مشيرا إلى أن حماية أراضيها من أي اعتداء محتمل يأتي في مقدمة الأسباب.
وقال في المقال الذي توصلت به جريدة العمق إنه، ومنذ قرون، كانت للعديد من الحكام الروس رغبة في توفير حواجز طبيعية في الغرب الروسي تجعل أمر غزوها صعبا، وهو ما تحقق لهم في القرن 17 حيث توسعت شرقا وراء جبال الأورال إلى سيبيريا، وجنوبا إلى بحر قزوين.
وأضاف أستاذ الجغرافيا السياسية بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية ان توسع روسيا استمر في القرن الثامن عشر، حيث امتدت شرقًا نحو المحيط الهادئ وغربًا نحو جبال الكاربات، وضمت أوكرانيا وليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، حتى أصبحت الإمبراطورية الروسية إحدى القوى العظمى في أوروبا.
وزاد المحلل السياسي ذاته أن روسيا تعرضت عبر التاريخ لمجموعة من الهجمات إلا ان شساعة أراضيها كان عاملا يجبر الغزاة على مغادرة الأراضي الروسية، بسبب حاجة أعدائها إلى خطوط إمداد طويلة توصل الطعام والأسلحة للجنود، وهو الأمر الذي فشلت فيه كل الدول التي حاولت غزو روسيا وأعلنت انسحابها بعد ذلك.
وأشار الجامعي ضمن مقاله إلى أن العديد من الدول حاولت غزو روسيا من الغرب، عبر سهل شمال أوروبا. إذ احتل الجنود البولنديون موسكو من عام 1610 إلى عام 1612 ، قبل أن يتم طردهم بعد سلسلة من الانتفاضات.
وفي عام 1708، غزت السويد البلاد، ولكن نظرًا لأن روسيا كبيرة جدًا، فقد تمكن الجيش الروسي من الاستمرار في التراجع، ودمر المحاصيل وحيوانات المزرعة لمنعها من الوقوع في يد الجيش السويدي. ما جعله غير قادر على إعادة الإمداد خلال الشتاء، ومات العديد من الجنود وهُزمت السويد.
واستخدم الروس نفس التكتيك في عام 1812، يضيف يحياوي، عندما غزا الزعيم الفرنسي نابليون البلاد، حيث وصل جيشه إلى موسكو ، لكنه اضطر إلى قطع مسافات طويلة جدًا لإطعام جنوده. ومع اقتراب فصل الشتاء، تراجع الجنود الفرنسيون الجوعى، وفق تعبيره.
حدث الشيء نفسه عندما غزت ألمانيا البلاد في عام 1941،يضيف يحياوي، إذ شنت ألمانيا هجومًا مفاجئًا في الصيف، لكنها لم تستطع هزيمة الجيش الروسي تمامًا. حيث أدت الظروف القاسية التي تعرفها روسيا في فصل الشتاء، مرة أخرى، إلى إجبارهم على التراجع.
عندما انتهت الحرب العالمية الثانية في عام 1945، توسعت روسيا إلى أبعد من ذلك، وسيطرت على العديد من البلدان في وسط وشرق أوروبا، وظهر الاتحاد السوفياتي الذي امتد من المحيط الهادئ إلى برلين، ومن القطب الشمالي إلى آسيا الوسطى إلى حدود أفغانستان.
وأشار يحياوي إلى أن نهاية القرن العشرين، شهدت تفكك الاتحاد السوفياتي، وهو ما يعني أن روسيا فقدت أراضيها في الغرب ولم يتبق لها جبال لحمايتها.
ونظرًا لأن البلاد تعرضت للهجوم مرات عديدة عبر سهل أوروبا الشمالية، فإن القادة الروس قلقون بشأن الدفاع عن حدودهم الغربية، اليوم كما في الماضي، حيث تمثل أوكرانيا أكبر خطر أمني لروسيا.
وينضاف إلى ما سبق، أن بعض الموانئ على طول السواحل الشمالية لروسيا غالبا ما تتجمد في الشتاء، خاصة فلاديفوستوك، أكبر ميناء في روسيا على المحيط الهادئ، الذي يبقى متجمدا لعدة أشهر في السنة.
وقال يحياوي إن روسيا تدرك جيدا أنها لكي تبقى قوة عالمية يجب أن تكون قادرة على تحريك أسطولها البحري بحرية، فضلا عن كون التجارة عبر البحر أرخص بكثير عن طريق البر أو الجو.
وهو ما يفسر الرغبة الدائمة لروسيا في أن يكون لها ميناء في مكان ما في الجنوب، حيث لا تتجمد المياه ، مما يتيح لها الوصول إلى أعالي البحار على مدار السنة. وهنا أيضًا أوكرانيا هي الحل الأسهل والأكثر فاعلية، وفق مقال يحياوي.
وختم يحياوي مقاله بالقول: “قد يكون من الصعب العيش في المناظر الطبيعية في سيبيريا والشرق الأقصى الروسي، لكنها صندوق كنز لروسيا، حيث يوجد معظم نفطها وغازها”، لافتا إلى انه لجوء أوروبا لروسيا امر لا مفر منه لأنها ثاني أكبر مورد للغاز الطبيعي في العالم، بعد الولايات المتحدة.
وأوضح المصدر ذاته أن روسيا توفر أكثر من ربع الغاز والنفط لأوروبا بفضل خطوط الأنابيب الطويلة، مؤكدا على أن ذلك يوفر لها الثروة والقوة.