أطلقت المملكة العربية السعودية ما اعتبر “ثورة” تشريعية في مجال الأحوال الشخصية باعتماد أول نظام للأحول الشخصية فيها، بعد أن كانت قضياه رهينة قرارات القضاة.
والخطوة الجديدة من شأنها توحيد قرارات القضاة في المملكة، إضافة إلى وضع حد للاختلافات التي تعرفها المعالجة القضائية لبعض قضايا الأحوال الشائكة.
وأعلنت السعودية، الثلاثاء، إطلاق نظام جديد للأحوال الشخصية في خطوة يراها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أنها “تسهم في الحفاظ على الأسرة واستقرارها باعتبارها المكون الأساسي للمجتمع”.
وحسب “قناة الحرة” يأتي إطلاق نظام الأحوال الشخصية في السعودية ضمن أربعة أنظمة أعلن عنها محمد بن سلمان سابقا، وهي نظام المعاملات المدنية والنظام الجزائي للعقوبات التعزيرية ونظام الإثبات التي كان أول من اعتمد من الأنظمة الأربعة.
ويرى متخصصون تحدثوا لموقع قناة “الحرة” أن إصدار نظام الأحوال الشخصية خطوة تنظم كافة المسائل الأسرية التي كانت سابقا متروكة لتقدير القضاة في كثير من الأحيان، وهذا من شأنه أن يصدر أحكام موحدة لمختلف القضايا الأسرية.
ويعالج النظام الذي يطبق بعد 90 يوما من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية قضايا مختلفة من الزواج والنفقات وحضانة الأولاد، والنسب، والوصية، والميراث وغيرها.
مواد مثيرة للانتباه
اطلعت “العمق المغربي” على مشروع نظام الأحوال الشخصية واختارت التوقف عند المواد التالية لدلالتها:
تنص المادة 11 على “إجازة زواج المجنون أو المعتوه بإذن من القاضي إذا توفرت 3 شروط: تقرير طبي عن حالة العته أو الجنون، قبول الطرف الثاني، توفر مصلحة للمجنون أو المعتوه في الزواج”.
كما تنص المادة 14 على حصر كفاءة الرجل في دينه “العبرة في كفاءة الرجل بدينه، ولا يعتد بالكفاءة فيما عذا ذلك”.
أما المادة 20، فرغم اشتراط “الإيجاب من الولي” في المادة 13 فالمادة عشرين تنص على أنه “ليس للولي، ولو كان الأب، منع موليته من الزواج بكفئها الذي رضيت به”.
وتعالج المادة 42 الحقوق والواجبات المشتركة بين الزوجين، ومن بينها قرار إنجاب الأبناء، وتنص في هذا الباب على ” ألا يمتنع أي منهما عن إنجاب الأولاد إلا بموافقة الطرف الآخر”.
أما المادتين 43 و 44 فتعالجان حقوق طرفي الزواج على بعضهما البعض، وتحصر المادة 43 حقوق الزوجة على زوجها في 4 حقوق هي: النفقة بالمعروف، المبيت بالمعروف، والعدل بين الزوجات في القسم والنفقة الواجبة، وألا يتعدى على أموالها. فيما تحصر المادة 44 حقوق الزوج على زوجته في 3: طاعته في المعروف، ألا تترك مسكن الزوجية إلى بإذنه أو بعذر شرعي، رعاية أولاده منها، وإرضاعهم إلا إذا كان هناك مانع.
تكافؤ النسب
وحسب “قناة الحرة”، ترى المحامية السعودية، فاطمة الزهراء أحمد، أن أبرز ما جاء في النظام هو معالجة مسألة التكافؤ في النسب التي كانت موجودة سابقا.
وجاء في المادة الرابعة عشرة من نظام الأحوال الشخصية أن “الدين” هو معيار الكفاءة في الزواج ولا يعتد بأي شيء آخر، وهذا نص يعالج مشكلة اجتماعية تضررت من خلالها كثير من الأسر السعودية.
وكثير من تدور في أروقة المحاكم السعودية قضايا عدم تكافؤ النسب، حيث سبق أن صدرت أحكام فرقت بين زوجين لهذا السبب.
من جانبها، قالت الكاتبة تغريد الطاسان إن النظام الجديد “خطوة جبارة وضبط صارم وحازم ينظم العلاقة قبل وبعد الزواج ويحفظ حقوق المرأة والرجل والابناء في حالة الانفصال”.
وأضافت في حديثها لموقع “الحرة” أنه “في السابق لم يكن هناك نظام قضائي واحد تستند عليه الأحكام القضائية عند انفصال الزوجين ووصول الخلافات بينهما إلى أروقة المحاكم … كان الحكم في الفصل بين قضايا الخلاف يعتمد على نظرة القاضي، مما جعل في ذلك صعوبات كثيرة تدفع ثمنها المرأة والابناء في غالب الأمر”.
وحسب نفس المصدر، قال وزير العدل السعودي رئيس المجلس الأعلى للقضاء، وليد الصمعاني، إن “نظام الأحوال الشخصية بُني وفق مقاصد الشريعة الإسلامية، وأخذ بأفضل الممارسات القضائية والدراسات الحديثة؛ ليكون نظاما متواكبا مع المتغيرات ويستجيب للتحديثات والتحديات.
وأكد أن النظام “سيسهم في سرعة إنجاز القضايا المتعلقة بالأسرة، وسيعزز من القدرة على التنبؤ بالأحكام القضائية واستقرارها، ويحد من تباينها، كما سيرفع جودة وكفاءة الأحكام”، وفقا لوكالة الأنباء السعودية (واس).
وفي هذا الاتجاه، ترى المحامية فاطمة الزهراء أن “النظام الجديد أشبه بتقنين الأحكام الشرعية التي كانت موجودة ويعمل بها لدى المحاكم لكن غير محررة وكانت تخضع لسلطة القاضي”. وقالت لموقع قناة “الحرة” إن “النظام سوف يحد من اجتهادات بعض القضاة في القضايا المتشابهة”.
كان الأمير محمد بن سلمان قال، الثلاثاء، في تصريحات نشرتها وكالة الأنباء السعودية (واس) إن “مشروع نظام الأحوال الشخصية قد استمد من أحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وروعي في إعداده أحدث التوجهات القانونية والممارسات القضائية الدولية الحديثة … كما سيعمل على تحسين وضع الأسرة والطفل، وضبط السلطة التقديرية للقاضي للحد من تباين الأحكام القضائية في هذا الشأن”.
في هذا الصدد، تشير الطاسان إلى أن النظام الجديد يأتي “تحقيقا للعدل حفظا للحقوق التي بها – بعد الله – نضمن عدم استغلال سلطة الأبوة أو الولاية أو ثغرات تشريعية قد تهدر حقوقا شرعها الله للمرأة والطفل وللرجل أيضا، ولكنها تاهت وسط تشعبات آراء لم يكن لها إطار قانوني يحفظ الحقوق ويوحد الأحكام”.
ينصف المرأة وقد يثير الرجال
واشترط النظام الجديد الزواج سن 18 عاما كحد أدنى للزواج، كما يعطي المرأة حقا في توثيق طلاقها بنفسها دون موافقة الرجل.
وينظم النظام أيضا مسائل النفقة والمسكن للمرأة من زوجها بصرف النظر عن حالتها المادية، إضافة إلى حق المرأة بفسخ عقد الزواج من جانب أحادي في حالات معينة.
من ناحية أخرى، يرى سعود وهو مواطن سعودي يبلغ من العمر 31 عاما فضل عدم الكشف عن اسمه الثاني لأسباب خاصة، أن النظام الجديد يمنح المرأة حقوق أكبر لم يسبق لها الحصول عليها، لافتا إلى أن ذلك قد يثير كثير من الرجال في المجتمع السعودي.
وقال سعود لموقع “الحرة” إن “النظام الجديد أعطى المرأة حقوق واسعة لم يتخيل الرجل السعودي أن تحصل عليها بهذه السرعة … المجتمع يحتاج لوقت طويل للتأقلم مع هذا الوضع الجديد”.
واستبعدت الطاسان، من جهتها، أن يكون النظام الجديد لصالح المرأة وحدها قائلة إنه أنصف المرأة “بعد أن كانت (المرأة) تعاني من أحكام تميل إلى إنصاف الرجل أكثر من خلال سلطته كولي وأب”.
بدورها، اتفقت فاطمة الزهراء مع رأي الطاسان وقالت إن “النظام يحفظ حقوق الطرفين وليس المرأة وحدها” بعد أن شمل قضايا متعددة بما في ذلك الميراث والتركة دون أن يتعارض مع الشريعة الإسلامية.
أما سعود، فيعتقد أنه بالرغم من أن “النظام خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن طبيعة المجتمع المحافظ قد لا يتقبل هذا النوع من القوانين المدنية الحديثة”.