تميزت البرامج الانتخابية للأحزاب الثلاثة المشكلة للحكومة بطغيان الجانب الاجتماعي عليها، وبوعود اتسمت بارتفاع سقفها، قبل أن تعمل هذه الأحزاب على إعداد برنامج حكومي أعطت فيه الأولوية للملف الاجتماعي الذي ظل خارج حسابات الحكومات المتعاقبة.
وشددت الحكومة على أن مهمتها الأولى تتجلى في تعزيز دعائم الدولة الاجتماعية وتثمين الرأسمال البشري المغربي، وحفظ كرامته، وتكريس حقوقه وتوفير ظروف رفاهيته.
كما أشار رئيس الحكومة عزيز أخنوش إلى أن عمل حكومته سينصب على توجيه مجهوداتها لتعزيز شفافية الإدارة، مع تعزيز سبل محاربة الرشوة والمحسوبية، وتحفيز الاقتصاد الوطني لفائدة توفير فرص عمل.
هذه الوعود تصطدم بواقع دولي وإقليمي ومحلي مضطرب مما يطرح اكثر من سؤال حول قدرة الحكومة على تنفيذها.
أزمة تتجاوز الكفايات الاستباقية لأي حكومة
أستاذ الجغرافيا السياسية وتقييم السياسات العمومية، مصطفى يحياوي، قال في تصريح لجريدة “العمق” إن الكثير من المهتمين بالسياسة داخل المغرب توهموا في صيف 2021 أن كفاءة الحكومة المقبلة ستكون كافية للإقلاع الاقتصادي وما يحتاجه الخروج الآمن من أزمة كوفيد، والحال أننا بصدد الخروج من أزمة والدخول إلى أزمة تتجاوز الكفايات الاستباقية لأي حكومة كيفما علا شأنها وشرعيتها الانتخابية.
وقال: “حينما يراجع معدل النمو السنوي لأقل من 2%، ويقلص محصول الحبوب إلى ما يناهز النصف بسبب الجفاف، وترتفع أثمان المحروقات في الأسواق الدولية، ويتراجع المخزون إلى أقل من 30 يوما، أعتقد أن تدبير الأزمة لن يكون سهلا ولا في متناول أي حكومة لا تتوفر على مداخل وعائدات ضريبية كافية”.
وأضاف يحياوي أن المسؤولية السياسية في هذه اللحظة، تقتضي عدم المزايدة الشعبوية، وعدم الدفع بأطروحة التخوين، مشيرا إلى أن إعادة إحياء ملف المحروقات لن تفيد في شيء، ولن تؤدي لا على المدى القصير ولا المتوسط إلى إسقاط الحكومة.
وأشار إلى أنه في أحوال الأزمات الحادة، التجارب الدولية في مجال التنمية تؤكد أن السياق، والقدرة على التأقلم مع الواقع، والقرب من المواطن البسيط، عوامل حاسمة في نجاح إجراءات التخفيف من المخاطر.
وقال إن هناك تحدي آني ومستعجل هو التخفيف من مضاعفات أزمة عابرة للحدود بحلول واقعية وعملية، وأضاف: نحن أمام نقص بنيوي في الموارد وقلة حيلة لتجاوز حالة تضخم ظرفي سيؤثر سلبيا على طموحات الحكومة التي لن يكفيها تعديل وزاري لكي تنجح في مواجهة مخاطر الأزمة.
وأوضح أن الحكومة ستضطر إلى الاقتراض الخارجي، وستضطر أيضا أن تراجع أهدافها بخصوص الدولة الاجتماعية، مؤكدا أن تدبير الأزمة يقتضي التعبئة السياسية لفرقاء ونخب قادرين على التواصل بفعالية، كما يقتضي أيضا هندسة مندمجة للسياسات والبرامج الاجتماعية، واستهدافا موضوعيا فعالا، وفق تعبيره.
سياق مضطرب لكنه لا يعفي الحكومة
وفي هذا السياق، قال محمد الغلوسي في تصريح لجريدة العمق إنه من باب الموضوعية لابد من الإشارة إلى أن الحكومة الحالية جاءت في سياقات مضطربة دوليا وإقليميا ومحليا، مشيرا في هذا السياق إلى تداعيات ازمة كورونا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي، والوضع المرتبك والمقلق الذي خلفته على المستويين الاقتصادي والاجتماعي.
وأضاف رئيس جمعية حماية المال العام إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية التي تجسد صراع الأقطاب على المستوى الدولي من أجل إعادة ترتيب خرائط المصالح وفرز تعددية قطبية على المستوى الدولي ساهمت في قتامة الوضع وأثرت بشكل مباشر على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للعديد من الدول خاصة تلك الدول المتخلفة.
وأوضح المتحدث أنه بالرغم من هذه المعطيات الموضوعية، فإن مسؤولية الحكومة قائمة لإيجاد بدائل للخروج من الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد والذي يؤشر على تفاقم الفقر والبطالة واحتداد المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وتأثير ذلك على شرائح واسعة من المجتمع المغربي.
وقال إن الأحزاب المشكلة للحكومة قدمت وعودا أثناء مرحلة الانتخابات كانت أكبر بكثير من انتظارات المجتمع، تبين فيما بعد أن الحكومة التي وصفها بالضغيفة والتي لا تتوفر على طاقات وكاريزما سياسية لا تستطيع أن تقوم بتنزيلها على أرض الواقع.
وتابع الغلوسي بالقول إن التركيبة الحكومية “هشة وضعيفة” تفتقد إلى مقومات حكومة أزمة لتدبير الواقع الاقتصادي والاجتماعي وتتخذ قرارات وسياسات أكثر جرأة وأكثر شجاعة، وأنها تتعامل مع وضع استثنائي بطرق تقليدية وبدائل ترقيعية لا ترقى إلى مستوى الإجابة على انتظارات المواطنين.
وفي موضوع الفساد وتخليق الحياة العامة ومكافحة نهب المال العام والرشوة واقتصاد الريع، أوضح رئيس “حماة المال العام” أن الحكومة لم تقدم أي شيء في هذا الشأن، مؤكدا على أن البرامج العمومية مهما قيل عنها يأنها موجهة للاستثمار والتنمية ولمساعدة بعض المشاريع التي يتقدم بها بعض الأشخاص وفق مواصفات منينة ومحددة، لن يكون لها أثر على واقع الناس في ظل سيادة الفساد والريع والرشوة ونهب المال العام.
وأشار إلى أن الحكومة لم تكن لها الجرأة والشجاعة السياسية لمواجهة الفساد والرشوة ونهب المال العام رغم ما يشكل ذلك من خطورة حقيقية على كل البرامج التنموية وعلى كل السياسات العمومية الموجهة للمجتمع، وفق تعبيره.
وشدد على أن هذه البرامج وهذه السياسات العمومية لن يكون لها أثر كبير على واقع الناس، فالحكومة لم تكن لها الجرأة والشجاعة السياسية لمواجهة الفساد والرشوة ونهب المال العام رغم ما يشكل ذلك من خطورة حقيقية على كل البرامج التنموية وعلى كل السياسات العمومية الموجهة للمجتمع، وفق تعبيره.
ولفت المتحدث إلى أنه دون مكافحة الرشوة والفساد والريح ستظل هذه البرامج وهذه الشعارات مهما كانت جذابة دون أثر يذكر، مشيرا إلى أن بعض أعضاء في الأحزاب المشكلة للأغلبية متورطون في قضايا الفساد ونهب المال العام.
تحديات غير مساعدة
أما الخبير الاقتصادي هشام عطوش، فقد أشار في جوابه عن سؤال لجريدة العمق حول ما إذا كان بإمكان الحكومة تنفيذ التزاماتها في ظل سياق إقليمي ودولي مضطرب، إلى أنه يجب التمييز بين ثلاث محطات مرتبطة بالتزامات الحكومة أو بوعود الحزب الذي يقود الحكومة.
وأشار أستاذ التعليم العالي في الاقتصاد والتدبير إلى انه فيما يرتبط بالوعود الانتخابية من قبيل رفع أجور رجال التعليم والأطباء وما إلى ذلك من وعود قدمت قبل الانتخابات التشريعية، وفي بداية الولاية الحكومية قد تم التراجع عنها تماما، مشيرا إلى أنه ليس هناك توافق بين الوعود الانتخابية التي قدمت في البرامج وبين الالتزامات التي سطرت فيما بعد في البرنامج الحكومي او في قانون المالية.
أما المحطة الثانية المتمثلة في الالتزامات العشر التي وردت في البرنامج الحكومي من قبيل رفع معدل نشاط النساء، وتوفير مليون منصب شغل وغير ذلك من الالتزامات، فقد أكد عطوش في تصريح لجريدة “العمق” أنه من السابق لآوانه ومن المجحف تقييمها لأنها مرتبطة بالولاية الحكومية، وحتى إن كانت هذه السنة استثنائية من حيث الإكراهات فقد يتم التدارك في السنوات المقبلة، مع أن هذه الالتزامات في معظمها لا تتناسق مع النموذج التنموي الجديد، وفق ما جاء على لسان عطوش.
وفي محطة ثالثة، يضيف المحلل الاقتصادي، تأتي التزامات الحكومة ضمن قانون المالية 20/22 الذي انطلق من فرضيات تتمثل في سنة فلاحية متوسطة في حدود 50 مليون قنطار، وسعر بوطان لا يتجاوز 450 دولار للطن، وسعر بترول لا يتجاوز 120 دولار للبرميل.
وقال المتحدث إن هذه الفرضيات تم التراجع عنها، حيث أشارت مختلف التقارير الوطنية والدولية إلى أنه في ظل الجفاف الذي تعرفه البلاد فلن تتجاوز السنة الفلاحية 30 مليون قنطار، كما أن معدل النمو الاقتصادي الذي حدد في قانون المالية في 3.2 % من الناتج الداخلي الخام لن يتجاوز 1.1 بحسب توقع البنك الدولي و0.9 وفق بنك المغرب.
وأوضح الأستاذ الجامعي بجامعة محمد الخامس بالرباط أن معدل التضخم، أمام غلاء الأسعار وخاصة الفاتورة الطاقية، سيمر من 1.8 % الذي كان هو المعدل المسطر في قانون المالية ليصل إلى ما بين 4% و4.7 %، مضيفا: “حتى ان ما يرتبط بعجز الميزانية الذي حدد في 6% من الناتج الداخلي الخام ما يناهز 59 مليار درهم سيرتفع إن لم تلجأ الدولة إلى المديونية أو تزيد في تحصيل الضرائب”.
وأوضح أن التحديات الاقتصادية التي يعرفها الاقتصاد المغربي اليوم لا تبشر بأن ما التزمت به الحكومة ستنجزه، خاصة مع الأزمة الروسية الأوكرانية التي تلقي بظلالها على الاقتصاد المغربي بحكم ما يستورده المغرب من طرفي الصراع.
وأضاف قائلا: “صحيح أن هناك بعض الإجراءات وبعض البرامج التي تتحرك من قبيل فرصة وأوراش لكنها ليست بالعمق اللازم الذي يمكن ان يحل الإشكاليات الكبرى للاقتصاد المغربي”. كما أن هناك بعض المداخيل التي لم تكن متوقعة من طرف الحكومة المتمثلة في الانفراج الديبلوماسي بين المغرب وإسبانيا وهو ما سيعطي نفسا جديدا للسياحة بالمغرب وسيمكنه من تحويلات العمال بالخارج.