منوعات

كيف غزت الثقافة الكورية عقول المراهقين والشباب في المجتمعات العربية؟

توسع تأثير الثقافة الكورية بين الشباب والمراهقين في المجتمعات العربية وتنامى بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة.

وتعددت مظاهر هذا التأثير لتشمل مجالات تعلم اللغة الكورية، واتباع أسلوب الحياة الكورية، والبحث عن المطاعم التي تقدم الأكلات الكورية، واستهلاك الانتاجات الفنية الكورية من أغان وأفلام، …

ويتحول ذلك التأثير شيئا فشيئا إلى دينامكية مجتمعية ناشئة بفعل التنافس الذي أصبح يغدي التعلق بتلك الثقافة بن الشباب والمراهقين بالخصوص، مما يؤشر على تجدرها في الأجيال المقبلة.

فما هي أهم التأثيرات الثقافية الكورية؟ وما رأي علم النفس الاجتماعي؟

دور الأغاني والأفلام

حسب الجزيرة نت، دخلت الثقافة الكورية إلى عقول الشباب والمراهقين العرب من خلال أغاني “كي-بوب” (K-pop) الكورية والدراما الكورية، والتي أسهمت في غرس العديد من الأفكار، منها الإيجابية التي توحي بحب الحياة والعطاء والتحدي ومواجهة المواقف الصعبة والتنمر والأمل والوصول إلى الهدف، ولكنها في الوقت نفسه لا تتلاءم كلها مع القيم العربية.

وحسب نفس المصدر، هذه الظاهرة موجودة في كل المجتمعات خاصة بين فئات المراهقين، ولا تزال تحقق نجاحا لافتا على الساحة الفنية العالمية، وأصبح البوب الكوري منافسا لا يستهان به عالميا خاصة مع الفريق الأكثر شهرة وشعبية “بي تي إس” (BTS)، وفرقة “بلاك بينك” (BLACKPINK) للفتيات.

التقت الجزيرة نت بعدد من المراهقين والشباب المولعين بكل ما له علاقة بالأغاني أو الدراما الكورية، واستطلعت آراءهم، فماذا قالوا؟

عادة كل المراهقين يلفتهم كل ما هو غير مألوف وغريب وجديد في عالم الموضة بحسب علم النفس الاجتماعي (بيكسلز)

آدم الشمالي: أنا من جيش فرقة “بي تي إس

آدم الشمالي مراهق (16 عاما) متعلق بشدة بفرقة “بي تي إس” ويرى نفسه من “جيش المعجبين” بهذه الفرقة، فهو يحب فيهم كل شيء، روحهم المرحة وأغانيهم الجميلة، فهم إيجابيون لأبعد الحدود، بحسب رأيه، وحين يكون في مزاج سيئ تكون الفرقة قادرة على تغيير هذا المزاج إلى الأحسن، ويقول إنه لا يمكنه أن يوفيهم حقهم من الوصف مهما تحدث، ولن يفهم في ذلك سوى “الأرمي” (الجيش).

ويضيف للجزيرة نت “هذه الفرقة تحمل رسالة سامية وهادفة لمواجهة عثرات الحياة والتحدي لكل الظروف الصعبة وعدم الخوف والسير بإيجابية وأمل وتحقيق كل الأحلام والطموحات”.

ويرى آدم أنها فرقة تهدف إلى مساندة الأطفال وحمايتهم من التنمر والعنف، وهم يتحدثون بلسانهم عن شؤون تتعلق بحياة الشباب والمراهقين من كل جنس ولون، ويعتبرها فرقة تحمل رسالة جادة عن حب الذات بعيدة عن الأغاني التافهة التي فيها مضيعة للوقت.

نور البداوي: هذا هو أثر الدراما الكورية على الشباب

نور البداوي طالبة دراسات عليا (24 عاما) تتابع بشغف الدراما الكورية منذ 6 سنوات، وهي ترى الفرق الظاهر بين الدراما العربية والكورية، لدرجة أنها تأثرت كثيراً بالأفكار الجديدة والأداء البعيد عن التكلف والأسلوب الاحترافي، إلى جانب الحبكة الدرامية التي تلامس المشاعر والمعالجة الدرامية المشوقة مع الإبهار، إضافة إلى تميز المسلسل بحلقاته الموجزة وأحداثه غير المملة.

وتتحدث نور للجزيرة نت عن مدى تأثرها بالطابع المحافظ وكم القيم الإنسانية الجميلة التي تنقلها تلك الدراما عن المجتمع الكوري، ومن أهمها احترام الكبير، والحرص على الترابط الأسري، وحب العمل، وإعلاء قيم المشاركة والتعاون.

وتعتبر نور أن “المسلسلات الكورية أو الدراما الكورية لها أثر إيجابي على الشباب، وأسهم صناعها في توصيل فكرة تحقيق الحلم مهما واجهت من صعوبات، فمن خلال العمل الدؤوب والاجتهاد وعدم الاستسلام يستطيع الإنسان تحقيق كل طموحاته وأهدافه”.

وتلفت إلى أنها أحبت اللغة الكورية لأنها لغة تعبيرية واضحة وصادقة، وهذا ما جذبها في الأغاني الكورية التابعة للمسلسلات والتي حققت نجاحا كبيرا لما لديها من شفافية ورومانسية، بحسبها.

غنى تعيش كل لحظة مع الدراما الكورية

الطالبة غنى تشعر أنها تعيش كل لحظة مع الدراما الكورية، وتستمتع كثيرا بمشاهدتها لما فيها من واقعية وسلاسة وعفوية وطاقة إيجابية، إضافة إلى حب الحياة.

وتعلقت غنى بمتابعة كل المسلسلات الكورية لما فيها من تجديد ورصد لواقع حياتهم اليومية، ولما تنقله عن عاداتهم وتقاليدهم الجميلة. وهذا ما دفعها لتعلم وإتقان اللغة الكورية لفهم كل التفاصيل في المسلسلات والأغاني، بحسب حديثها للجزيرة نت.

هيام عطوي: فرقة كورية غيّرت تفاصيل حياتي اليومية

المراهقة هيام عطوي (17 عاما) من أكثر المعجبات بفرقة “بلاك بينك” (BLACKPINK)، وهي تعتمد “BLINK” أي الغمزة كحركة معروفة لديهن في الفرقة، وتشير عطوي إلى أن فرقة الفتيات الأكثر شعبية في العالم هي قدوتها في الموضة وفي أسلوب الحياة وفي نظرتها إلى الأمور، وتقول إن الكثير من تفاصيل حياتها اليومية تغيرت منذ أن بدأت بسماع أغانيهن الهادفة، وتصف شعورها بالسعادة والفرح وبالطاقة الإيجابية، لدرجة أن شخصيتها أصبحت أكثر ثقة من قبل ولم تعد تشعر بالخوف من المستقبل، وتشير إلى أنه بفضل معرفة تفاصيل حياتهن صارت جريئة أكثر ومثابرة في الدراسة.

وتكمل هيام بحماس بأنها تتعلم اللغة الكورية لأنها ترغب في السفر إلى كوريا من أجل الدراسة الجامعية، وتطمح في تغيير الكثير من حياتها الشخصية إلى الأفضل للوصول إلى الحلم، وتعلم الكثير من القيم الإنسانية الجميلة الموجودة في كوريا.

ما رأي علم النفس الاجتماعي؟

“من المهم جدا للأهل عدم تضخيم الأمور وتوصيلها إلى شجارات تؤثر سلبيا على المراهق”، تقول الأخصائية في علم النفس الاجتماعي منى درويش للجزيرة نت، لافتة إلى أنه “لا ضرر بشكل عام بانشغال العديد من المراهقين والشباب بالثقافة والأغاني والدراما الكورية، في الغالب هذه الفرق عملت على التأثير بشكل إيجابي على مشاعر ووجدان الشباب وإعطائهم الطاقة الإيجابية وأفكار هادفة يجب عدم الاستهزاء بها، فهذه الفرق عبرت بكلمات أغانيهم التي يكتبونها بأنفسهم، لهذا استطاعت أن تلامس أحاسيس كل المراهقين ومخاطبة هموم الشباب والحديث عن أحزانهم وإحباطاتهم وآمالهم وأحلامهم، وتعلم اللغة الكورية صار الحافز الأساسي بالنسبة للشباب، وهذا ليس بالأمر السيئ أبدا”.

وتبيّن الأخصائية منى أن “الفتيات المراهقات شدتهن الفرق الكورية المؤلفة من فتيات لما يتمتعن به من أناقة وموضة وستايل (أسلوب) غريب جعلهن مميزات بنظرهن”.

وتلفت درويش إلى أنه “من الضروري على الأهل احترام آراء أولادهم والتحاور الدائم معهم لإظهار الآثار السلبية أيضا لهذا التعلق الزائد، وعدم الضغط عليهم بالصراخ وفرض التسلط والأوامر، وإلا ستكون النتائج سلبية للغاية وستزيد من عنادهم وتمسكهم بهذه الفرق. فعادة كل المراهقين يلفتهم كل ما هو غير مألوف وغريب وجديد في عالم الموضة”.

وتعتبر الأخصائية أن الثقافة الكورية مقاربة للثقافة العربية، ولا يوجد تناقض من ناحية المبادئ والأخلاق العامة، وهذا ما نجده في الدراما الكورية من ناحية احترام الكبير والترابط الأسري وغيرها من الأمور الحياتية.

البحث عن بدائل أكثر فائدة

وتوضح منى درويش أنه “يمكن إيجاد طرق أخرى مع أولادنا وبناتنا، مثل محاولة إيجاد بدائل لإشغالهم بهوايات أخرى تملأ أوقاتهم بأمور أكثر فائدة. كما أنه من المهم جدا عدم تضخيم الأمور وتعقيدها وتوصيلها إلى شجارات تؤثر سلبيا على المراهق، فهذه المرحلة من العمر لا يمكن اجتيازها إلا بالحوار الهادئ وإعطاء الثقة الكاملة للابن أو الابنة للشعور بالراحة والاطمئنان، فالتعلق بالفرقة الموسيقية أمر طبيعي يحدث في هذه المرحلة العمرية والكل يمر بها، المهم المراقبة الدائمة كي لا تصل لدرجة الهوس والتعلق الشديد”.

وتختم بالإشارة إلى ضرورة توصيل فكرة أهمية التحصيل الدراسي لذهن المراهقين، وأن الدراسة هي الأولوية في حياتهم، ويجب عدم إهمالها بالانشغال الطويل بهذه الأمور لأنها لا تمثل إلا جزءا بسيطا من اهتماماتهم.