متهون بالاستيلاء على أرض بأرفود
مجتمع

رئيس جهة وقاض بالمحكمة الدستورية وبرلماني معزول أمام القضاء لـ”الاستيلاء على أرض”

في سابقة من نوعها، تبث المحكمة في قضية “استيلاء على أرض”، ضمن ملف تتواجد به أسماء ثلاثة وجوه سياسية بارزة وذلك في مواجهة عائلة تتهم المعنيين بالتورط في “السطو على أرض ورثوها عن جدهم”، ويتعلق الأمر بكل من رئيس جهة فاس مكناس عبد الواحد الأنصاري، وشقيقه البرلماني سابقا والقاضي حاليا بالمحكمة الدستورية محمد الأنصاري، والمنسق الجهوي لحزب الأصالة والمعاصرة المصطفى العمري الذي سبق عزله من عضوية مجلس النواب بسبب حكم قضائي في قضية تتعلق بـ”التزوير واختلاس أموال عمومية” بجماعة مولاي علي الشريف.

ووفق المعلومات التي حصلت جريدة “العمق” عليها من مصدر موثوق، معززة بمجموعة من الوثائق، فإن الثلاثي المذكور، إضافة إلى شخصين آخرين، يواجهون تهما تخص “الاستيلاء على أرض بالتحايل واستغلال النفوذ بمدينة أرفود بإقليم الرشيدية”، وهو ما أكده تظلم لعائلة “بالكشة” تم وضع على مكتب كل من رئيس الحكومة ورئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة ووزير العدل سنة 2019.

وتتهم عائلة “بالكشة” التي ورثت أرضا عن الجد استغلها منذ سنة 1958 إلى غاية فترة الجفاف في ثمانينات القرن الماضي حيث توقف عن حرثها، كل من محمد الأنصاري وعبد الواحد الأنصاري ومصطفى العمري بـ”شراء أرض تعود فيها الأصل ملكيتها إلى ورثة بابا الهاشمي بالكشة، وتقسيمها إلى ثلاثة أجزاء ليستفيد كل واحد من نصيبه”.

كما يتهمون تاجرا بالإقليم إلى شراء أرض قطعة أرضية تعود ملكيتها أيضا لورثة بابا الهاشمي بالكشة وتقسيمها إلى عدة إجزاء، وفق ما جاء في مراسلة من العائلة إلى المدير العام للأمن الوطني والمدير العام لمديرية مراقبة التراب الوطني مؤرخة في 17 يناير 2022، وهي المراسلة التي حصلت جريدة “العمق” على نسخة منها.

وشدد ورثة بالكشة في تظلم مرسل إلى كل من رئيس الحكومة ورئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئيس النيابة العامة ووزير العدل، على أنهم “يمتلكون الأرض موضوع النزاع بعقد ملكية عدد 981 صحيفة 402 أملاك 47 بتاريخ 25/10/1958 بالمحكمة الشرعية بأرفود إقليم الرشيدية”، وهي العقد الذي اطلعت جريدة “العمق” على نسخة منه، مضيفين في السياق ذاته “أما الخصوم فلا يملكون الا ملكية مزيفة بتاريخ مستحدث، ورغم ذلك يصرون لجشعهم للسطو على ارضنا، مما جعلهم يلوون عنق الحقيقة، ويتحايلون على المساطر، ويتحكمون بأساليبهم في اية خبرة ميدانية، مما جعل التناقضات صارخة بين خبرة وأخرى رغم موضوعية وحياد علم للهندسة الطبوغرافية مع أخرى رغم الطابع العلمي والعملي لأي خبرة”.

وتابع التظلم ذاته “وهذا ما فرض علينا التوجه الى حضرتكم الموقرة، بعدما استنفذنا كل السبل وطرقنا كل الأبواب من اجل انصافنا دون جدوى لقوة نفوذ الخصوم”، متلمسين “إعطاء التوجيهات لاتخاذ الإجراءات الضرورية لضمان الحياد والنزاهة في الملفات اسفله المعروضة على القضاء، مع توقيف البناء غير القانوني والاستغلال لهذه الأرض الى ان ينطق القضاء بالحكم النهائي.

واسترسلت الوثيقة ذاتها “هذا ومما يشار إليه أن هذه الأجزاء من أرضنا تعرف نزاعا مع المشتكى بهم وهي موضوع دعاوى لدى المحاكم المختصة، حيث أنهم لما علموا بمطالبتنا لحقنا في تملك هذا العقار بادروا إلى سلك مسطرة التحفيظ معتمدين بذلك على معالم حديثة تطمس حقيقة واقع معالم الحدود لملك الورثة، وهو الأمر الذي جعلنا نتخذ كل وسائل الحيطة والحذر وتقدمنا بتعرضاتنا ضدهم لدى مصلحة المحافظة العقارية بالرشيدية التي أحالت ملفاتنا من جانبها على المحاكم المختصة”.

تاريخ النزاع

وتعود أولى فصول القضية إلى سنة 1988، حيث يقول ورثة بالكشة أن أرضهم تم الاستيلاء عليها أول مرة يوم 27 فبراير 1988، من طرف الأسماء الثلاثة المذكورة أعلاه، قبل أن تشهد عليها مرة ثانية من طرف كل من عبد الرحمن القسمي وعبد السلام القسمي ومن معهما.

ودخل ملف النزاع إلى المحكمة لأول مرة سنة 2015، وذلك بعد قيام الورثة بالتعرض على طلب لتحفيظ الأرض تقدم به العمري المصطفى الذي يقول أنه اشترى الأرض سنة 1988، وحكمت الغرفة العقارية بالمحكمة الابتدائية بالرشيدية لصالح الورثة حيث أصدرت حكمها بتاريخ 25 ماي 2016، في الملف رقم 2015-1403-32.

وجاء في الحكم الحامل للرقم 67، “باسم جلالة الملك وطبقا للقانون بصحة تعرض المتعرضين على مطلب التحفيظ عدد14/35442 ، وتحميل طالب التحفيظ الصائر، وإرجاع الملف للمحافظ على الأملاك العقارية لاستكمال الإجراءات بعد صيرورة هذا الحكم نهائيا”.

هذا الحكم أبطلته محكمة الاستئناف في قرارها رقم 18 الصادر بتاريخ 23 ماي 2017، وقررت إحالة القضية على الرئيس الأول لمحكمة النقض من أجل تعيين المحكمة، وذلك بناء على مقتضيات تخص مسطرة التقاضي وضوابطه، مما يستدعى إرجاع الملف إلى المرحلة الابتدائية وفق ما يقر به القانون، وأكد مصدر متابع للقضية في المحكمة أن قرار محكمة الاستئناف لا يتعلق بمسار الملف ولا تفاصيله.

في السياق ذاته، صدر عن الغرفة العقارية بابتدائية الرشيدية حكم آخر في الملف يحمل الرقم 77 صدر بتاريخ 12 أبريل 2017، حيث قبلت المحكمة طلبا للورثة بإيقاف الأشغال التي بها محمد القسمي بالأرض المسماة “ساقية بالكشة” إلى حين صدور قرار نهائي عن المحكمة في النزاع.

وصدر عن المحكمة ذاتها بتاريخ 04 ماي 2021 حكما يحمل الرقم 44، يقضي بـ”عدم صحة التعرض الكلي المضمن بكناش 13 عدد 332 بتاريخ 26/04/2018 مع تحميل المتعرضين الصائر”، وهو الحكم الذي لم يكن في صالح الورثة الذين استأنفوا الحكم ومازال التقاضي جاريا في المرحلة الاستئنافية.

كما صدر حكم آخر عن المحكمة الابتدائية بمكناس لصالح عبد الواحد الأنصاري رئيس جهة فاس مكناس، بتاريخ 27 دجنبر 2021 يحمل الرقم 986، يقضي أيضا “بعدم صحة التعرض المقدم من طرف ورثة بابا الهاشمي بالكشة، وإحالة الملف على المحافظ على الأملاك العقارية بالرشيدية عند صيرورة الحكم باتا”.

الحكم الأخير اعترض عليه الورثة الذين اعتبروا في المقال الاستئنافي الذي تتوفر جريدة “العمق” على نسخة منه، أنه هو والحكم التمهيدي بإجراء الخبرة “أضرا بحقوق العارضين وجانبا الصواب فيما قضى به لمخالفته الصريحة للقانون ونقصان التعليل الموازي لانعدامه خاصة مما يكونون معه محقين بالطعن في الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بمكناس”.

واعتبر المقال الاستئنافي أن “الخبرة التي جاءت في الحكم مخالفة للفصل 63 من المسطرة المدينة، وذلك لإنجازها في غيبة العديد من الأطراف و دون توصلهم بالاستدعاء بشكل قانوني”، مضيفا أن “الخبير لم يجيب على النقط المحددة من طرف المحكمة وما انتهى إليه بأن الملكية المؤرخة في 25-10-1958 لا تنطبق على العقار محل النزاع تفنده استنتاجات الخبير اورحو الذي أكد انطباق تلك الملكية على العقار، ملتمسين أساسا الحكم وفق طلبهم واحتياطيا إجراء خبرة تحكيمية من ثلاثة خبراء محلفين بحضور المحكمة”.

وأردف أن “الخبرة غابت فيها الدقة والموضوعية في عمليات المطابقة، ذلك أن رسم الملكية عدد 981 يبرز فيه على الأقل حدود من جهتين الساقية السيفية وساقية السهب، في حين أن الخبير ذكر في تقريره أن التطابق من جهة واحدة فقط، والحال أنه يقع من جهتين الشرق والغرب، وهو ما أغفله الخبير، فضلا عن أن أسماء المالكين والحدود باستثناء الحدود الطبيعية قد تغيرت على مدى أكثر من ثمانين عاما، و أن الخبير خلص إلى مطابقات من جهة المستأنف عليه بخلاف العارضين دون أن يبين المرتكزات الموضوعية والتقنية التي استند عليها في إنجاز الخبرة”.

وثائق وأدلة

وفي إطار التحقيق الصحافي في الموضوع، حصلت جريدة “العمق” على مجموعة من الوثائق التي قد تشكل دليلا على ملكية عائلة بالكشة للأرض موضوع نزاع، بالمقابل لم تتمكن جريدة “العمق” من الحصول على ما يثبت شراء وامتلاك الوجوه السياسية الثلاثة وشريكيهم التاجرين المعروفين بالمنطقة للأرض.

ومن بين الوثائق التي تتوفر عليها جريدة “العمق”، نسخة من رسم الملكية صادرة عن المحكمة سنة 2012، تؤكد توثيق الراحل بابا الهاشمي بالكشة لملكيته للأرض سنة 1958.

كما حصلت جريدة “العمق” على نسخة من رسم قسمة صادرة عن المحكمة، مؤرخة في 22 يناير 2020، تؤكد قسمة ورثة بابا الهاشمي بالكشة للأرض سنة 1960، وهي الأرض التي بقت مشاعا بين الورثة.

في السياق ذاته، وتؤكد الخبرة التي قامت بها المحكمة الابتدائية بالرشيدية في 24 فبراير 2016، أن الأرض موضوع النزاع تسمى “ساقية بالكشة”، تحاديها ساقية الغريسة التي دشنها الملك الراحل الحسن الثاني سنة شمالا، والطريق الوطنية الرابطة بين أرفود والرشيدية شرقا، كما تؤكد أن الجد وأبناؤه استغلوا الأرض منذ أربعينات القرن الماضي إلى غاية سنة 1986 بسبب ظروف الجفاف.

خلط بين أرضين

في مقابل أدلة عائلة بالكشة، يستند المتهمون بـ”الاستيلاء” على الأرض، إلى وثيقة رسم قسمة، تتوفر جريدة “العمق” على نسخة منه، يتعلق بأرض كانت مملوكة لعائلة رئيس سابق لجماعة عرب الصباح زيز، وهي الأرض التي يؤكد تصميم رسمي حصلت عليه جريدة “العمق”، تواجها بمحاذاة الأرض المتنازع عليها.

وتقول عائلة المشتكين أن ورثة الرئيس السابق للجماعة الواقعة الأرض المتنازع عليها في دائرة نفوذها الترابي، جمعوا بين الأرض “التي استولى عليها والدهم”، وأنهم “قاموا ببيع الأرضين معا”.

شكاية التزوير للديوان الملكي

واشتكى الورثة في مراسلة إلى مدير الديوان الملكي، بتاريخ 25 شتنبر 2019، اعتماد “المترامين” على “عقود مزورة”، وكذا “الاستيلاء على أرضهم عبر التحايل والتدليس”، واشتكوا أيضا “محاولة عبد السلام القاسمي وشركاؤه، جر إلى مستنقع العنف والفوضى وخلق البلبلة وزعزعة الاستقرار النفسي والاجتماعي لثلاثة وخمسين عائلة تنتمي لأسرة المقاومة”.

تعليقات الزوار