قد يتبادر إلى ذهن المتلقي في بادئ الأمر وانطلاقا من العنوان الذي اخترته للمقالة أنني بصدد الحديث عن التربية البدنية كنوع رياضي يستهدف تنمية الجسد والارتقاء بالمستوى الأدائي لدى الرياضي ولدى الممارس بصفة عامة ولكن القصد من وراء هذا المقال كي يزال الالتباس عن ذهن القارئ وتتضح أمامه الرؤية ويتسنى له ضبط زاوية المعالجة هو محاولة لنفض الغبار عن التربية البدنية كمادة تعليمية تدرس بالمؤسسات التربوية بمختلف مستوياتها( الابتدائي – الإعدادي- الثانوي) يتم تلقينها لتلاميذ هذه المستويات الدراسية وفق جدولة زمنية محددة لا تتعدى في أحسن الأحوال ساعتين في الأسبوع،قد تكون في شكل حصة واحدة مدتها الزمنية ساعتين أو في شكل حصتين متفرقتين مدة كل واحدة ساعة ويبقى هذا التوزيع المار بيانه حبيس اجتهادات الإدارة التربوية التابعة لهذه المؤسسات،كما أن هذه المقالة تحاول وضع تصورات وحلول لتطوير مهنة تدريس مادة التربية البدنية والرياضة في التعليم الأساسي والارتقاء بها وعلى هذا الأساس أحيط القارئ الكريم علما ان المقالة وما تحتويه من أفكار هي محض اجتهادات شخصية لتقويم وتصحيح اختلالات واقع تدريس مادة التربية البدنية والرياضة بالمغرب وليس الغرض منها الإساءة إلى هذه المادة وكذا المنتسبين إليها.
وعليه سأ قف وإياكم من خلال هذه الورقة عند أهم النقاط التي أرى من وجهة نظر شخصية إلزامية تبنيها إن آجلا أم عاجلا.
مادة التربية البدنية وسؤال الولوج إلى المهنة:
في هذه النقطة بذات أرى أنه يجب أن يعاد النظر في الطريقة والكيفية التي توضع بها إختبارات الولوج إلى مهنة تدريس التربية البدنية والرياضة،فما الجدوى من أن يكون الاختبار الكتابي عبارة عن مجموعة من الأسئلة متعددة الاختيارات تسعى إلى قياس الثقافة العامة والرياضية للمترشح؟ فمن الأجدر أن يكون الاختبار الكتابي عبارة عن تحرير موضوع عام في الثقافة الرياضية باللغة العربية و الفرنسية مع ترك حرية الاختيار للمترشح في أن يختار اللغة التي يرغب في التحرير بها من دون قيد،فعن طريق هذا الاختبار يتم قياس مستوى المعارف الرياضية لدى المترشح مع الوقوف عند قدراته اللغوية والتحليلية وغيرها من المهارات التي تتطلبها المهنة، ويتوجب بعد الاختبار الكتابي الأول إجراء إختبار كتابي ثاني في بيداغوجية التدريس ينجز من خلاله المترشح خطاطة عامة لدرس نظري في رياضة معينة من اختياره أو يعالج وضعية شاذة وقعت له مع تلميذ أثناء الحصة ( كتعرض التلميذ لردود أو كسر معين) يجب على المترشح أن يبين المنهجية التي سيتبعها كي يسعف المصاب أو الكيفية التي سيتعامل بها مع هذه الحالة؟
وبعد أن يجتاز المترشح الاختبارات الكتابية بنجاح، يتأهل لاجتياز الإمتحان الشفوي وهو عبارة عن مقابلة مع لجنة مكونة من أساتذة جامعيين في المادة ومفتشين وأطر رياضية وغيرهم، الهدف من الاختبار الشفوي هو قياس مستوى الثقافة الرياضية لدى المترشح عن قرب و مامدى إلمامه بالقوانين المنظمة للألعاب الرياضية الجماعية او الفردية، بعد تجاوز المترشح للامتحان الشفوي بنجاح يؤهل لاجتياز اختبار رابع وأخير في الأداء أو التطبيق يسمى اختبار عملي يمتحن فيه المترشح في إحدى الرياضات الجماعية أو الفردية المقررة من طرف الوزارة كالجمباز أو ألعاب القوى أو كرة السلة أو اليد أو القدم… والغرض منه هو التحقق من المؤهلات البدنية والفنية للمترشح وهل هو قادر على مزاولة المهنة في الواقع الحقيقي ام لا؟
وإذا نجح في هذا الاختبار النهائي آنذاك يحق له الإلتحاق بمركز تكوين الأساتذة قصد استكمال المعارف المطلوبة للقيام بالمهمة ومن تم مزاولة المهنة بشكل نظامي بعد التخرج من مركز تكوين الأساتذة.
أما أن يأتي المترشح من مجالات أخرى بعيدة عن الرياضة ويجتاز اختبارين فقط ويدخل للمهنة كأستاذ للتربية البدنية والرياضة فهذا غير مقبول إذن لابد من إعادة تحيين امتحان الولوج إلى المهنة.
مادة التربية البدنية والرياضة بالمغرب ومشكلة التكوين:
ما لا يستصيغه العقل هو أن يتم تكوين وصقل معارف المترشحين الناجحين في مباراة الأستاذية تخصص مادة التربية البدنية والرياضة ما عدا خريجي كليات التربية البدنية ومعاهد التربية البدنية فهؤلاء لايسري عليهم هذا الحكم، بطريقة ناقصة أو مبتورة إن جاز هذا التعبير، فالعديد من المواد النظرية المفيدة لايتم تلقينها للأساتذة المتدربين؛ كإدارة المنافسات الرياضية،تسيير المؤسسات الرياضية،اقتصاديات الرياضة،علم الاجتماع الرياضي،فلسفة وأصول التربية البدنية،تاريخ الرياضات،طب الرياضي،الإسعافات الأولية،علم النفس الرياضي بكل اقسامه،التواصل الرياضي،العلاقات العامة،الإعلام الرياضي،الدبلوماسية الرياضية، التسويق الرياضي للمؤسسات والبطولات الرياضية، التحكيم والنزاعات الرياضية،قوانين الألعاب الرياضية وغيرها من المواد الضرورية لمزاولة مهنة تدريس التربية البدنية والرياضة.
مع الأسف الشديد في المغرب يتم الاكتفاء بتلقين مواد مرتبطة بيداغوجية التدريس وأخرى تندرج ضمن ما يصطلح عليه ب علم النفس التربوي وهذا من وجهة نظري الشخصية مجهود غير كافي لإنتاج أستاذ للتربية البدنية والرياضة متكامل بدنيا ومعرفيا.
تم هناك مسألة أخرى مرتبطة بعدم تخصيص تداريب موازية للأساتذة المتدربين داخل هذه المراكز،فلابد أن ينخرط الأستاذ المتدرب في تداريب ميدانية سواء داخل الجمعيات الرياضية أو النوادي أي أن يتم الاشتغال بمنطق شهر دراسة وشهر تدريب لكي يصبح بمقدور الطلبة الموازنة بين ما هو نظري وماهو عملي ويراكموا تجارب ميدانية تسهل عليهم الاندماج في سوق الشغل بعد التخرج بسهولة تامة.
مادة التربية البدنية والرياضة وإشكاليات التدريس:
من بين الملاحظات التي تم تسجيلها في هذا الخصوص هو إرتكاز المادة على الدروس التطبيقية في ظل حضور محتشم أو منعدم للدروس النظرية،اللهم إن كانت هناك اجتهادات شخصية من بعض الأساتذة ولكنها تبقى دروس محدودة مرتبطة فقط بقوانين وقواعد ممارسة الألعاب الرياضية ولا تتعداها لتشمل تاريخ الرياضات وأصولها وفلسفتها وطكتيكاتها وما إلى ذلك من ركائز أساسية،ومنه فإن الإقتصار على التلقين العملي فقط في هذه المادة وان كانت بطبعها مادة حركية يعد شيء غير محمود إذ لابد من المزاوجة بين الدرس النظري والدرس التطبيقي حتى يتحقق النماء البدني للتلميذ وكذا النماء المعرفي،بحيث نصير أمام تلميذ يتمتع بمهارات جسمانية هائلة و بثقافة رياضية عالية تجعل منه مواطن مؤثر في الشأن الرياضي الوطني والجهوي والمحلي.
ومن تم لابد من إعادة تحيين آلية تقييم مستوى التلاميذ في مادة التربية البدنية والرياضة بالمغرب وذلك من خلال الاعتماد على الامتحان الكتابي يضاف إليه الامتحان التطبيقي ويقسم الخارج على 2 والحاصل يكون هو معدل التلميذ في هذه المادة على صعيد الدورة.كما أنه من غير المعقول أن تكون حصص التربية البدنية والرياضة في التعليم الأساسي معدودة على رؤوس الأصابع، فيجب الرفع من حصص هذه المادة الحيوية على الأقل أربع حصص في الأسبوع أو الرفع من المدد الزمنية المحددة للمادة بتخصيص ساعتين لكل حصة إذا ما قررت إدارة المؤسسة برمجة حصتين فقط في الأسبوع لهذه المادة.
وفي نفس السياق هناك سلوكات مشينة من بعض أساتذة التربية البدنية والرياضة فهؤلاء يقومون بتقييم التلاميذ بناء على الجنس(ذكر أو أنثى) وليس على القدرات والمؤهلات البدنية والفنية لدى التلميذ(ة) وإنما يجري توزيع النقاط على الشاكلة التالية؛ 16 أو 14 للذكور / 18 أو 19 للإناث وقس على ذلك.
وهناك صنف آخر يقيم التلاميذ بناءا على سجيته إذا اعجبه اسم التلميذ(ة) وضع له نقطة جيدة وإذا لم يعجبه أسم التلميذ(ة) وضع له نقطة متوسطة أو مستحسنة لا تشفع له في تحصيل معدل ممتاز في الدورة ككل.
أما بالتعليم الابتدائي فمادة التربية البدنية والرياضة لاتمارس في الغالب وإنما يتم منح نقط هذه المادة بالمجان للتلاميذ والسؤال ما الغاية من برمجة هذه المادة في هذا المستوى التعليمي من دون تفعيل واقعي ؟
وفي سياق آخر لا نلمس عند بعض أساتذة مادة التربية البدنية والرياضة بالمغرب هندسة وتصميم واضح للدرس بل الأكثرية تأتي للحصة من دون تحضير مسبق للدرس وهذا غير منطقي يضع سؤال بيداغوجية تدريس المادة موضع تساؤل وتدقيق؟ هل نحن بصدد درس تعليمي ام بصدد نشاط ترفيهي بإحدى المنتجعات السياحية؟ هل نحن أمام استاذ التربية البدنية والرياضة ام أمام منشط رياضي ؟
هل نحن في فضاء تعليمي تحكمه أخلاقيات وقوانين معينة أم نحن في ساحة عمومية أو حديقة عمومية نجري فيها حصة رياضية للمحافظة على الصحة أو لخفض بعض الكيلوغرامات من الوزن…؟ صحيح أن لكل شيء مقياس وحدود لا يجب أن يتعداها،لهذا أرى لزاما أن يقوم الاستاذ بوضع تصميم قبلي للدرس وان يوزعه على التلاميذ حتى يتمكنوا من استيعاب منهجية الاستاذ في التدريس بكل سلاسة،فمثلا أن يضع الاستاذ تصميم للدروس كل نصف شهر ويجعل التصميم في متناول التلاميذ كي يطلعوا عليه كأن يخصص نصف شهر للرياضات الجماعية ككرة اليد والسلة والطائرة والنصف الآخر للرياضات الفردية كالجمباز… وتصميم الدرس يجب أن يكون على هذه الكيفية: فالنفترض أن مدة الحصة هي ساعة من الزمن، سيتم تخصيص 10 دقائق لتدوين الغياب واحصاء الحضور و 10 دقائق للإحماء و 20 دقيقة للدرس المتعلق بالحصة و 20 دقيقة لتطبيق الدرس من خلال مباراة واقعية بين فريقين تحت إشراف الأستاذ لقياس مامدى استيعاب التلاميذ للدرس.
أما وان يأتي الاستاذ ويسجل الغياب ويجلس على إيقاع الشاي المنعنع والأحاديث الثنائية ويوزع الكرات على التلاميذ ويتركهم في حال سبيلهم فهذا فعل شنيع في حق هذه المهنة النبيلة.
ختاما،اعتقد بأن إصلاح الرياضة المدرسية لن يتحقق من دون إصلاح مادة التربية البدنية والرياضة وإصلاح هذه الأخيرة متوقف على تطوير مناهج تكوين أساتذة التربية البدنية والرياضة.
تعليقات الزوار
احببت صرامة المقالة